أقلامهم

ابتسام العون … تروي مأساة شيخة زينة البنات

أنا شيخة..زينة البنات

ابتسام محمد العون 
خارت قواها الحروف، وتشتت الأفكار، وتعبت الكلمات، وتشابكت السطور، ووقفت العبارات حيرانة عاجزة عن تجسيد المعاناة لا أعلم من أين أبدأ وإلى أين سأنتهي؟ ففي العين دمعة وفي القلب حرقة وفي الحلق غصة، آآه من لوعة الفراق، سأروي المأساة على لسان شيخة زينة البنات.
أنا شيخة، تربيت بين 4 أخوات وولد هو الأكبر، اسمه محمد، كبرت وترعرعت في أحضان أمي وأبي، أرضعتني أمي وفطمتني على الحب والحنان منذ نعومة أظافري وأبي الله ـ يحفظه ـ احتواني ورباني وكانت نظراته وأنفاسه لي حراسا، كبرت وبلغت من العمر 11عاما شخصيتي مميزة أحب الحق وما أرضى بالخطأ محبوبة واجتماعية مع كل الناس، خلصت الامتحانات وبدأت عطلة منتصف العام وبعد الانتهاء من معركة الانتخابات شدت أمي وخالاتي الرحال إلى أحد الجواخير في منطقة «كبد» لقضاء بضعة أيام في الراحة والاستجمام، وفي يوم الجمعة خرجنا جميعا لتأجير الدراجات النارية ويسمونها «البقيات»، ودفعت بضعة دنانير لصاحب «البقيات»، ولم أعلم أن هذا هو ثمن كفني وهذا «البقي» هو حصان الشيطان الذي سينهي حياتي كما يسميه المنسق الإعلامي في الطوارئ الطبية عبدالعزيز بوحيمد، وذلك من الواقع والإصابات المريرة التي عاينها، لعبنا ولهونا وقبل تسليمه فكرت في الذهاب إلى البقالة، وأثناء عبوري الشارع الداخلي صدمني سائق سيارة لوري أرعن أقسم بسرعته الجنونية أن ينهي حياتي، حيث طار جسمي الصغير مع «البقي» في الهواء لأهوى على الأرض وسط أنيني وآلامي وظفيرتي تواسيني تحملي، يا شيخة يا زينة البنات، الجميع من حولي يهرول يمنة ويسرة في حالة هستيرية ويتعالي البكاء والصراخ، فقد أذهلهم المشهد وغيب عقولهم وهرب السائق دون إنسانية ولا إحساس بالمسؤولية، وفي هذه اللحظة مر شاب شهم حملني أنا وأخواتي في السيارة وطار إلى المستشفى وكان يهدئ من روع أخواتي لكن القدر لم يمهلني وملك الموت.
اختطف روحي من بين أضلعي وأنا في حضن أختي وسط تهليل وتكبير أخواتي، لكنهن لم يعلمن اني فارقت الحياة ولم اعد اسمعهم، فزع أبي إلى المستشفى أنفاسه وخطواته تسابق عجلات السيارة، حيث تلقى خبر وفاتي بقلب مكسور وصوت مخنوق الكلمات عاجزة عن حمل أحزانه كيف سيخبر أمي وماذا سيقول لها؟
نزل الخبر على أمي كالصاعقة وسقطت مغشيا عليها في حال يرثى لها، وقف القلم صامتا عاجزا عن وصف حزنها، الخبر كسر القلوب وأجرى الدموع على الخدود، وها هو حصان الشيطان يخطفني من أحضان أمي وأبي لأفترش قبري وأوضع في لحدي، فارقت الأهل والأحباب دون أن يفرح والدي بتخرجي ولا حتى زواجي، فلذلك أطلقها صرخة مدوية من تحت الثرى «حذار من حصان الشيطان، لا تقدموا أبناءكم قرابين لحصان الشيطان، كم من الناس انتهت حياتهم تحت عجلات «البقيات» أو ينتهي بهم المطاف إلى أشباه أموات على الأسرة البيضاء أو إعاقات دائمة على الكراسي المتحركة».
فقد زودنا مشكورا رئيس شعبة العمليات العاجلة في الطوارئ الطبية الأخ الفاضل سليم المحميد بالإحصائيات التالية لإصابات «البقي»: عام 2010 نحو 96 حالة، وفي عام 2011 نحو 81 حالة نقلت للمستشفى و75 حالة عولجت في موقع الحادث، وفي عام 2012 ونحن في بداية العام 25 حالة نقلت للمستشفى و267 حالة عولجت في الموقع، أما الوفيات من حوادث «البقي» فقد اخبرنا مشكورا الأخ الفاضل عبدالإله من وزارة الداخلية ان أعداد الوفيات في تزايد مستمر وهذه مؤشرات خطيرة لابد أن يفقهها المجتمع ويقف وقفة جادة للحد من خطورتها فلا نريد أن نخسر فلذات أكبادنا فلذلك لابد من حلول جذرية وصارمة وإطلاق حملة جادة تحت شعار «أبكيك ولا أبكي عليك».