أقلامهم

جاسم بودي … مابين الحلال والحرام كفى الله الكويتيين شَرّ التحليل والتفكير

 حرام … وحلال!

جاسم بودي 
من دون إعطاء رأي… من دون القول إن هذا صح وهذا خطأ… من دون تحليل الخلفيات ودراسة المعطيات واستشراف المستقبل… ومن دون الدفاع عن أحد… من دون ذلك كله نتوقف فقط عند المعايير المزدوجة التي نعيشها والتي حوّلت الحلال حراما في بعض الأوقات والحرام حلالا في أوقات أخرى.
عندما أثيرت قصة الإيداعات أصرّت أطراف على خوض معركتها في الشارع، والجميع يعرف ماذا حصل في الشارع وماذا ولّد الشارع لاحقا من ممارسات وسلوكيات صارت للأسف الشديد عرفا يتم اللجوء إليه عند كل كبيرة وصغيرة. يومها تقدمت كتلة العمل الوطني بطلب تشكيل لجنة نيابية للتحقيق في الموضوع من كل جوانبه والذهاب في القضية إلى أبعد مدى. خُوّن أعضاء الكتلة واتهموا بالموقف الرمادي وبأنهم حكوميون ولم تبق كلمة نابية إلا و«قصفت» في اتجاههم. اليوم تخرج الغالبية الجديدة وفي قلبها الرموز التي رفضت اقتراح «الوطني» سابقا لتعلن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في قضية الإيداعات. صفق الجميع لـ«الحلال» الراهن بعدما رفعوا قبضاتهم في وجه «الحرام» السابق.
وعندما قال بعض النواب عن استجوابات سابقة إنهم سيعطون موقفهم بعد قراءة المحاور ووجهوا بزوبعة من النقد والانتقاد واتهموا بأنهم «أدوات» حكومية لتمييع الاستجواب وتفريغه من مضمونه.
 أمس أراد النائب عبيد الوسمي تقديم استجواب مباغت لرئيس الوزراء فتمنى عدد من نواب الغالبية (المعارضة سابقا) لو أنه استشار قبل أن يستعجل فيما ذهب آخرون الى القول إنهم سيعطون موقفهم من الاستجواب بعد قراءة محاوره فووجهوا بالتصفيق… حرام سابقا حلال راهنا.
عندما انتقد بعض النواب إرسال قوات عسكرية كويتية إلى البحرين اتهموا فورا بالعمالة لدولة أجنبية واتهم رئيس الوزراء السابق بأنه سمح بارسال القوات إلا أنه أوعز لـ «جماعته» النواب بالتصعيد والرفض.
 يومها انقسم الشارع بشكل حاد وأقيمت المهرجانات والمهرجانات المضادة وعلا الصوت الطائفي وصار من يوافق على الخطوة طائفيا مدفوعا من دولة إقليمية ومن يرفض الخطوة طائفيا مدفوعا من دولة إقليمية أخرى. اليوم يقول رمز المعارضة السابقة وزعيم الغالبية الجديدة إنه يرفض تدخل الجيش الكويتي في البحرين لأسباب عدة منها أن الكويت ليست طرفا في الاتفاقية الامنية والمسألة داخلية وليست خارجية، فيواجه بالاستحسان… حرام سابقا حلال راهنا.
وبالنسبة إلى الموضوع الخليجي أيضا، رفض نواب في المجلس السابق فكرة الاتحاد الخليجي لأسباب شرحوها وبقيت في إطار وجهات النظر المحافظة. يومها لم يبق نافخ في الكير إلا وقام بدوره داخليا وخارجيا مُحرّضا مُهدّدا مُتوعّدا. اليوم يعلن رئيس مجلس الأمة السيد أحمد السعدون أن الاتحاد لا يستوي بين دول فيها تمثيل شعبي ومشاركة، ودول لا تمثيل فيها ولا مشاركة وبين دول فيها حريات وديموقراطية، ودول فيها آلاف المعتقلين السياسيين… حرام سابقا حلال راهنا.
رئاسة مجلس الأمة السابقة إذا اعتبرت أن المنصب يقيد الحركة ويفرض عليها لضرورات تشريعية ورقابية وتعاونية أن تكون على مسافة واحدة من الجميع تصبح «خائنة» لأمانة الاختيار الشعبي، ورئاسة المجلس الحالية إذا اعتمدت الاعتبار نفسه تصبح أمينة للاختيار الشعبي… حلال وحرام.
مكتب مجلس الأمة السابق أفاد بأنه لا يملك سحب بلاغ «مقتحمي المجلس» والجميع يعرف ردود الفعل القاسية والصاخبة على هذه العبارة ومحاولات تحريض الشباب ضد المكتب ورئيسه. أمس، استخدم مكتب المجلس الجديد الذي فاز فيه من قاد ردود الفعل على العبارة السابقة… العبارة السابقة نفسها أي «أننا لا نملك سحب بلاغ مقتحمي المجلس». حرام وحلال.
نواب يركزون سابقا على تشريع قوانين تتعلق مباشرة بحماية الوحدة الوطنية وتجريم الطائفية والعنصرية والمذهبية يُنعتون بأنهم نواب «نخبة» يريدون الهرب من مشاريع قوانين شعبية مثل إسقاط القروض وزيادة الرواتب والبدلات وإقرار الكوادر، واليوم يصبح التركيز على هذه التشريعات «أولوية» لدى الغالبية بعدما بلغ «الورم» في الجسد الشعبي حدوداً مقلقة… حلال وحرام.
الأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى والمقارنات أكبر من أن يتسع لها مقال، إنما صار واضحا أن الحلال في الكويت ليس بينا والحرام ليس بيناً إلا إذا كان في تصنيف الأعلى صوتا والأقدر على تحريك الشارع واحتلال المشهد السياسي والإعلامي واللعب على وتر العصبيات بمختلف اتجاهاتها وأنواعها.
 
الحلال والحرام هو ما يريده هؤلاء… وكفى الله الكويتيين شَرّ التحليل والتفكير.