أقلامهم

فهيد البصيري : كل استهبال وانتم بخير

 الاستهبال الوطني!

د. فهيد البصيري
كل عام وانتم بخير فهذه الأيام، هي أيام تذكرنا بعيد الاستقلال ويوم التحرير، وقبله كان عيد الحب وقبلها كان عيد ميلادي، واللهم اجعل أيامنا كلها أفراحا وأعيادا وطنية. وبالمرة أقترح على النواب أن يمددوا عطلة الأعياد الوطنية لنشبكها مع العطلة الصيفية، خصوصا وأن التربية ألغت الدراسة لهذا العام، وطلابنا ممن يدرسون في الجامعات كلهم يدرسون في الخارج ولن يعودوا إلا بعد سنوات عندما ننتهي من الشروع في عمل مخطط أولي لبناء جامعة (بيض الصعو) في (الشدادية) حيث سنفرض على المقاول أن يبني لنا الجامعة ويأتي بالطلاب من عنده! 
وكما يقال بمناسبة وبغير مناسبة، عيد بأية حال عدت يا عيد، فنحن لم نتغير وحالنا اليوم هو كحالنا بالأمس القريب وحطوا معه البعيد إن لم يكن أسوأ، وكل شيء على حاله، والحياة تتطور وتتعقد والمشاكل تكبر، والله اكبر، وكل ما فعلنا هو أننا انتخبنا مجلسا جديدا، وجئنا بوزارة جديدة وهي عادة كويتية مستحبة، وفيها شيء من روح العدالة حيث سيصل الدور إلى كل الكويتيين ليصبحوا وزراء سابقين، كما أننا زدنا من عدد الأغاني الوطنية ونثرنا بعض الورود المستوردة على قبور شهدائنا الذين دفعوا حياتهم ثمنا لبقاء الكويت، والحمد لله أنهم لم يشاهدوا بعض أحيائنا اليوم وهم يدفعون أموالهم وحيواتهم من أجل فناء الكويت.
لقد مضى على استقلال الكويت أكثر من 50 سنة ولم يقصر الشباب ووصل عدد السكان إلى المليون كويتي وزيادة، و المليون هو عدد حي من أحياء الصين الشعبية، ولكنه في الكويت يعني الكثير، فمساحة الكويت لا تتعدى 18 ألف كيلو متر مربع فقط .
 فأرجو من الشباب أن يخففوا الوطأ، فما أديم هذه الأرض إلا من هذه الأجساد كما يقول المعري، وأتمنى أن يأخذوا في اعتبارهم مساحة الكويت، ورغم تطور وسائل المواصلات إلا أنه لم يصلنا منها إلا السيارات فقط، وبفضل الوكالات التي جعلت التقسيط مريحا، وبفضل التخطيط غير المريح لم نعد نستطيع الخروج من بيوتنا إلى الشارع، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، وصار يموت بعضنا وهو ينتظر دوره في العلاج، ويهرب نصف سكان الكويت إلى الخارج قبل أن تبدأ العطلة الرسمية وقد لا يعود، وبعد أن ورطنا شبابنا سامحهم الله لم يعد في استطاعة الشرطة القبض على هذا الجيل الجديد، أو حتى تطبيق قانون المرور لقلة عدد أفراد الشرطة ولقلة حيلتهم وعدتهم .
ورغم وجود وزارة للدفاع أو وزارة الابتلاع، فإنه لا يوجد جيش، ومع ذلك تم إلغاء التجنيد الإلزامي، ومعهم حق، فالمارينز الأميركي تحت قيادة (خالتي قماشه)! ومع ذلك مازلنا نغني ونرقص على خيبتنا كل سنة، وحولنا مدارس الأطفال إلى مدارس لتعليم الرقص، وتحولت المسارح إلى دور عرض للأزياء، والساحات العامة إلى ساحات للقمامة، وتحولت الشوارع العامة إلى حلبات لاستعراض ما وصلت إليه مهارات شبابنا في (التقحيص) والمراوغة، وتحول اليوم الوطني إلى عيد الفوم الوطني، وعيد التحرير إلى عيد (الجراخي والتزمير)، وفي نهاية النفق بالكاد تسمع المنشدة سناء الخراز تقول (عيدي يا بلادي) تخنقه أغاني (الراب) الأميركي ويتحول الاحتفال إلى استهبال وكل استهبال وانتم بخير.