أقلامهم

عبداللطيف الدعيج : الكل يرضع … «ديد» اصلي و«ديد» ديلوكس

لا يوحد بينكم إلاّ الديد

عبداللطيف الدعيج 
الجميع يتحدث عن الوحدة الوطنية. والكل بلا استثناء حريص على حمايتها والحفاظ عليها. انا ما «اتطنز» لكن من صدقي، دلوني على هذه الوحدة الوطنية، او على الاقل أوصفوها حتى نشارككم حمايتها والذود عنها. ودي، والله العظيم، انضم إليكم، اصلا، انا متعقد لاني انا وحدي الذي لم يستدل او يتعرف على الوحدة الوطنية بعد.
واللي يرحم والديكم، قولوا لي ما هي هذه الوحدة الوطنية، حمرة او صفرة، مدورة مثل كرة خالد الحربان وإلا مسطحة مثل شعارات المعارضة الجديدة، صلبة مثل الحديد والا رخوة مثل حكومتنا، خلصونا.. انسية، جنية، ذكر او انثى.؟؟
اتمنى ان يضع احد تعريفا لهذه الوحدة الوطنية، لانه من غير المعقول ان نشرع قوانين ونضع عقوبات لحماية وتحصين شيء لم نتفق عليه، ولا يعرف ماهيته حتى القاضي الذي سيحكم لمعاقبة من يتهدده. انا حاولت افكر حتى بعقليتكم المحدودة، تصورت ان الوحدة الوطنية تعني اننا كلنا واحد، وان الهدف هو حماية هذا الواحد! زين اذا كنا كلنا واحد فما هي المشكلة.. واين الخطر الذي يتهددنا؟ واذا كنا على العكس متفرقين مختلفين… فبذمتكم.. لماذا تغصبوننا على الاتحاد؟!!
انا اصر على ان يضع اي نائب او مسؤول يتقدم او حتى يتحدث عن قانون لحماية هذه الوحدة، اصر على ان يضع تعريفا لهذه الوحدة وتعريفا ايضا لكيفية الاضرار بها والاساءة اليها، لاني لا اريد ان اعتقل في الغد لاني سقت سيارتي على اليمين او اني لبست عقال شطفة او دشداشة «نيسو» بالشتاء او غترة «شماغ» بالصيف.
ليس هناك شيء اسمه وحدة وطنية، وانا اتحدى جهابذة التخلف، بشيوخ دينهم، واساتذة اجتماعهم.. بل كلهم من غير عدد، اتحداهم ان يشيروا لهذه الوحدة او يدلونا على طريقة للتعرف عليها.
انا ادري انها مناسبة وطنية هذه الايام، وان الجميع متحمس للكويت وللتغني بحب الكويت. 
بس اسمحوا لي، تبقى الوحدة الوطنية «بيض صعو» ولا وجود لها الا في مخيلة البعض. حتى التكافل والتعاون بمعنيهما الاجتماعي المباشر لم يكونا او لم يعودا موجودين او لهما مكان بيننا. الناس في المجتمعات الحية تتعاون وتتكاتف لمواجهة زلازل او اعاصير او فيضانات، حنا، نعمة او نقمة، ليس عندنا الا الهدوء والخير، واذا عصبت الطبيعة حدها، اكثر ما تضربنا به الغبار. ليس هذا فقط، بل المجتمعات والناس يتوحدون ايضا بالعمل وامام وعند وسائل وادوات الانتاج. 
يجتمع اثنان او اكثر لحمل كيس او لزحزحة صخرة او لقطع شجرة، حتى في المصانع الحديثة يلتقون جنبا الى جنب امام «السير»، يتحدون في مراكز العمل وتحت الظروف والتحديات نفسها. نحن الكويتيين لا نعمل، حتى ان تواجد بعضنا في وزارة، فكل نشاطهم محصور في قراءة الجرائد، وطبعا واحد يقرأ «الدار» والثاني يقرأ «الوسط»، واحد على تلفزيون «العدالة» والثاني على تلفزيون «اصالة». العمل هو ما يوحد ويؤطر ابناء المجتمع الواحد ولو الى طبقات، اجدادنا كان السيب شيعياً والغواص سنياً، او حضرياً وبدوياً، كانت حياة الواحد ومعاشه يعتمدان على الثاني، ما كان عندهم وحدة وطنية، كانت وحدة «عمل ومصير». نحن أوكلنا العمل الى الاجانب، ومن لا يعمل _مثل النساء وقت الضحى – يتفرغ لــ «الحش» وهذا الشاطر فيه الكويتيون، حش على توتر وحش على الموبايلات. 
لا يجمعنا الا «الديد».. فالكل في الكويت يرضع، وهذا هو القاسم المشترك بيننا جميعا، لكن حتى هذا «الديد» او حسب التسمية الرسمية الجنسية، حرصت مجاميع التخلف على ان تكون اولى وثانية وسابعة وعاشرة، يعني «ديد» اصلي و«ديد» ديلوكس.
تريدون وحدة وطنية حقيقية، او بترجمتها الحقيقية الاحساس بالتواجد والمصير المشترك، اعيدوا خلق الانسان الكويتي… اعملوا وانتجوا وواجهوا الصعاب بدلا من القائها على ظهر العمالة الاجنبية.
في النهاية.. يبقى انه من الافضل لنا ان نقر باختلافاتنا وان نحترم هذه الاختلافات، ان هذا خير من الادعاء باننا واحد وان كلنا كتلة واحدة، لان هذا ببساطة سيثير خوف، وربما، حفيظة الاقليات. والاقليات هنا ليست بالضرورة عرقية او طائفية او اصولا ومواطناً، والتي عندنا منها الكثير، بل كل ما يميز مواطنا عن الآخر في عالم متقلب ومتغير. يعني كل مواطن سيظن بانه مستهدف. فرجاء خلونا حبايب مختلفين لا فرقاء يوحدهم الخوف. ومتى ما جمعكم العمل والانتاج.. صدقوني لن تحتاجوا للوحدة الوطنية.