أقلامهم

صالح الشايجي : الكويتيون للكويت … لا لغيرها

الكويتيون للكويت.. كما الناس لأوطانهم

صالح الشايجي 
كثرة المدعين.. أسّ البلاء
المتدينون يعملون بقناعاتهم الدينية وما استقر في قلوبهم
الدين أسمى وسيلة من أن يكون للتكسب
 
الكتابة بيد مرتجفة
 
أكتب بيد مرتجفة.. وبقلب وجل.. وبخوف يسبق قولي..
كلماتي التي أنتقيها من فيحاء مفعمة بالخضار وعامرة بالحب للحق وللناس وللوطن.. أحاول أن أزينها فلا ألقيها وعثاء شعثاء شنعاء.. ولا باهتة باردة فاترة.. ثلجية الإحساس متصلبة الأطراف..
لا حديدية تهرس.. ولا زجاجية تجرح..
أريدها كلمات سائلة نوالا كريما.. ومتوسّلة من في رأسه عقل يعي.. ومن في صدره قلب يخاف فيشفق.. ومن في سويداء جنانه ضمير يحكم بالعدل.. وليس مثل العدل مرضٍ لله والناس..
كلماتي مكتوبة بقلم مداده من نزف الشرفاء عرقا ودما وضميرا..
***
الناس لدنياهم.. لا لأديانهم
الكويتيون للكويت.. لا لغيرها..
والناس لدنياهم.. لا لأديانهم..
هذه بغية الله.. وتلك مشيئته..
الكويتيون للكويت.. مثلما الأميركيون لأميركا.. والمصريون لمصر.. والأوغنديون لأوغندا.. ومثلما كل مواطن لوطنه.. المواطنون لأوطانهم..
والناس عامة لدنياهم لا لأديانهم..
هذه رسالة الله إلى الأرض وأهل الأرض..
أمّا الدين فله ربه والأنبياء فقط.. فالأنبياء وحدهم هم من اصطفاهم الله واختارهم بين بني البشر ليحمّلهم رسالاته إلى الأرض.. وعلى الآخرين من أتباعهم عدم التزييف والتزوير والادعاء بأنهم جاءوا مكملين لرسالات الأنبياء.. لأنه ليس بين بني البشر من يقوى على حمل رسالة الله التي كلّف بها الأنبياء وحدهم.. وخصهم بها ومنحهم قدرات خاصة وامتيازات إنسانية لا تتحقق لبشر غيرهم قادرين على حمل أعباء الرسالة الإلهية.. والله لم يجعل للأنبياء ورثة ولا أندادا في حمل الرسالة أو إتمامها.. وذلك لسبب شديد الوضوح والبيان.. وهو أن الله لا يقبض له نبيا إلا بعد إتمام رسالته وإكمالها على الوجه الذي أراده سبحانه وتعالى.. وهذا كاف لأن يبطل دعوى الأدعياء والمدّعين من العاجزين عن حمل رسالتهم الأرضية والإنسانية فيدّعون ـ وبئس ما ادّعوا ـ وكان ادّعاؤهم بالفعل لا بالقول.. أنهم ورثة الأنبياء وأصفياء ومصطفون لإكمال رسالات الأنبياء.. .فملأوا الأرض جورا وبهتانا وفسقا حتى ضاقت بهم وبباطل دعاواهم.. وضج من دعواهم كل ذي بصيرة وكل ذي ضمير وكل مقدّس لرسالات الأنبياء..
***
إن الذين ينتشرون بيننا بحجة إكمالهم رسالات الأنبياء ـ بالفعل لا بالقول ـ هم أدعياء وجب تجريمهم بدعواهم ودعايتهم.. ولا تجب محاباتهم ومسايرتهم والخضوع لهم والاستجابة لمطالبهم.. وقبول الأمر وكأنه من عاديّات الأمور أو من واجباتها..
والأنبياء لم يسلموا راياتهم لأحد بعدهم.. ولم يودعوا طهارة قلوبهم قلب أحد من بعدهم..
واجب الناس في الحياة اشتغالهم في شؤونها لا انشغالهم عنها..
والناس تعمل بدينها لا لدينها..
وهذا يعني أن الناس المتدينين يعملون بقناعاتهم الدينية وما استقر في قلوبهم وما اطمأنت إليه قلوبهم.. ولا يعملون من أجل دينهم لأن شؤون الدين كانت بأيدي الأنبياء وحدهم ومن يقل غير ذلك فهو إما ساذج وإما مدع أو متمصلح..
الناس هم عُمّار الأرض بالعمل والإنتاج وباليد وبالكد وبناء الفكر الإنساني وليس بالدين لأن الدين لا يعمر الأرض ولكنه يعمر القلوب ويعمّرها..
هذه هي الحقيقة التي يجب الإيمان بها وتقديسها وإعلاء شأنها والعمل بها من أجل النهوض بالحياة وبرسالة الإنسان في الحياة.. وبالذات في الأمة المسلمة التي شغلت نفسها كثيرا في أمور دينها وانصرفت عن أمور دنياها.. فتخلفت وتعطلت وكثرت مشاكلها وزاد فقرها وتفشى فيها الفقر والمرض والجهل.. ما سبب تفرقها وتناحرها وتنابز طوائفها وتحاربها وتحزبها واصطفافها في ولاءات قائمة على المذهبية الدينية لأنها لم تجد ما يساعدها ولا من يساعدها.. على أن تكون قوى إنتاجية بناءة ومعمّرة.. ولكنها – وبسبب انصرافها الكامل للدين واعتقادها بأن دينها يوجب عليها خدمته والعمل لأجله وتسخير طاقاتها وقدراتها لرفعته وإعلاء شأنه ـ ذلك هو الذي شلّ قدرتها على الإنتاج وإعمال العقل والإبداع وانتشال نفسها من التبعية والاتكالية.. رغم أن الدين في غنى عنها وأن الدين الصحيح قد اكتمل وعلا شأنه ويعلو بقدرات معتنقيه وبما يضيفونه للحياة.. لا بالانصراف إليه مولين أدبارهم الدنيا وشؤونها ومخالفين رسالة الله والقائمة على إعمار الإنسان للأرض..
***
ومن جديد نؤكد – وهذا أمر معلوم للكافة والعامة – أن الأديان تمت رسالاتها على أيدي أنبيائها وليست بحاجة إلى غيرهم لإتمام هذه الرسالات.. فلقد وطّد الأنبياء قواعد الدين التي لا تقبل مزيدا.. بل إن من يزيد عليها هو كافر بها بالضرورة والحتم.. ومن يدعو إلى إشغال الناس بدينهم عن دنياهم هو خائن لرسالات الأنبياء ولله وللدين.. وإيمانه مشوب بالشك والريبة وعدم التمام.. لذلك هو يسعى إلى الإيحاء بضرورة ربط الدنيا وصلاح الإنسان من خلال تعميم الشأن الديني في مناحي الحياة.. متجاهلا أن الدين شأن فردي يخص الفرد بعينه وبالتزامه بالفرائض الدينية.. ولا شأن له بالأمور العامة التي هو أجلّ منها وأعزّ وأكرم.. وأن الدين أسمى من أن يكون وسيلة للتكسب والتعيّش ومخادعة الناس وغشهم باسم الدين.
***
إن «كثرة» المدّعين من الذين يتلبسون رداء الدين والفتيا.. هؤلاء هم أسّ البلاء في أمّة المسلمين.. لأنهم هم الذين أدخلوا في روع العامة وحتى الحكام أنهم مكملون لرسالات الأنبياء.. وبضرورة استمرارهم كمنظمين للشأن العام باسم الدين وبإصلاح الخلل الديني عند الناس ورسم الحياة العامة من خلال المنظور الديني.. غير مدركين – أو ربما مدركون – أن انتظام الناس كأفراد منفردين بالدين.. هو كل ما يطلبه الدين من معتنقيه والمؤمنين به وهو أساس العقيدة الدينية وليس العمل على الشأن الديني العام.. ولا العمل على الصبغة الدينية للمجتمع.. ولكن هؤلاء الذين يعملون على إرساء هذا المفهوم يحققون جاها وسيادة ومالا و«احتراما» لدى ضحاياهم من العامة والدهماء الذين يخدعهم هؤلاء ويشلون عقولهم عن التفكير بأمور دنياهم..
***
ومن أجل الموضوعية وإجلاء للحقيقة فإنه لابد لي من القول بأن ثمة ضرورة لوجود بعض الدارسين والمطلعين ـ بعلمية وموضوعية وحيادية ـ على أمور الدين وشؤونه من أجل مساعدة الباحثين عن معلومة أو رأي من أمور الدين.. وهؤلاء يجب أن تكون لهم أماكن محدّدة ومحصورة يلقاهم فيها السائلون.. وهو الأمر الذي كان متحققا ومعمولا به فيما قبل وفي سنوات السيطرة الرسمية على الشؤون الدينية وقبل الانفلات الحادث الآن والذي فتح الباب على مصراعيه لكثير من أهل الحيلة والنصابين والانتهازيين للدخول في الشأن الديني والادّعاء بأنهم دعاة ومفتون ورجال دين ينتشرون في كثير من المواقع والشاشات الفضائية وفي كثير من المحافل.. وبدلا من أن يذهب الناس إلى الدارسين للشأن الديني وأخذ آرائهم وفتاواهم.. صار هؤلاء يغشون بيوت الناس دون استئذان ليعلموهم شؤون دينهم وكأنما الناس هم الطالبون..
***
إن أخطر العلوم والثقافات.. هي العلوم والثقافات الدينية.. وهي علوم دقيقة بل بالغة الدقة سواء في فهمها أو العمل فيها ووفق تعاليمها.. ومنعا للالتباس فلا يجوز أن يكون التعليم أو التثقيف الديني مشاعا للعامة والبسطاء والسذج.. على المنابر أو في الندوات أو في وسائل الإعلام – من فضائيات تسمي نفسها دينية ـ أو في الإذاعات وصفحات الصحف.. لأن هذا الانتشار الكمي من المعلومات الدينية كفيل ببلبلة أفكار هؤلاء العامة والبسطاء والذين تتواتر عليهم المعلومات الدينية من هنا وهناك ويفهمونها بقدر ما في عقولهم من قدر على المعرفة وغالبا ما يكون فهمهم لها على غير المقصود منها وعلى غير وجهها الصحيح ليبنوا إيمانهم على الخطأ وبحسب ما فهموا هم من ذلك المتحدث أو هذا الشيخ..
وما يتفوّه به بعض هؤلاء المتحدثين من مشايخ الفضائيات أو معتلي المنابر.. يحوي كثيرا من الخرافات والأحاديث الملفقة التي لا يجوز للمسلم سماعها.. فكيف الحال إذن بمن يتحدّث بها ويلقيها على الناس وعلى مسامع العالم أجمع والذي أنا مدرك أنه يقوم بجمعها وتوثيقها ومن ثم إبرازها عند الحاجة أو لتقييم الأمة الإسلامية ودرجة الوعي بين أبنائها؟!