أقلامهم

جاسم بودي : أتمنى أن يكون وزير الداخلية من خارج الأسرة

وزير داخلية شعبي … لماذا؟

جاسم بودي
كم كنت شخصيا سعيدا بتفكير سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك بإسناد وزارة الداخلية إلى شخصية من خارج الأسرة، وكم كنت مقتنعا بأن هذا الأمر، لو تحقق بمواصفات رفيعة المستوى طبعا، فإنه سيضيف إلى دور الوزارة بعداً جديداً طالما كانت غائبة عنه.
ليس سراً أن وزارة الداخلية في الكويت هدف لكل شيخ في الأسرة يطمح بمستقبل سياسي أكبر لاحقاً وتحديداً على مستوى السلطة السياسية، فمن التعيينات إلى المعاملات، ومن النفوذ إلى الخدمات، ومن الترضيات إلى المساومات… كلها تجعل للمسؤولين فيها حظوة لدى الغالبية النيابية التي تترجم جزءا من خدماتها الانتخابية عبر هذه الوزارة وبالتالي تؤمن لوزيرها استقراراً أطول.
وليس سراً أن وزراء تعاقبوا على «الداخلية» كانت همومهم «داخلية فداخلية فداخلية»، بمعنى أنهم اضطروا أحيانا إلى التنازل هنا والتشدد هناك بحسب ما تقتضيه طموحاتهم أو اللعبة السياسية التي انخرطوا فيها لمصلحة هذا القطب أو ذاك. كان الوزير يسعد إن مدحه نائب أو أعطاه عهدا بأنه سيدافع عنه في مواجهة أي استجواب، ولم يكن يقلق إذا هاجمه نائب محسوب على معسكر قطب آخر… هو ارتضى هذا الطريق للتقدم في السلطة وهو يتحمل النتائج.
لكن الأمور بدأت تختلف مع غزو الخطاب الطائفي للكويت، فالمعالجات القديمة القائمة على مبدأ ارضاء ما يمكن ارضاؤه لتعبيد الطريق إلى أعلى لم تعد تستقيم. بمعنى آخر، القصة لم تعد قصة نقل ضابط وترقية آخر وتوقيع معاملات «لا مانع» وأخرى للعلاج في الخارج، فهذه حدودها إما تهديد باستجواب وإما تأكيد باستحسان. القصة تجاوزت النائب أو رجل الدين إلى القاعدة المذهبية. القصة تجاوزت ابن القبيلة إلى القبيلة. القصة تجاوزت ابن المنطقة إلى المنطقة… القصة تجاوزت المؤسسات إلى الشارع.
أضف إلى ذلك كله تراخي الوزارة في تطبيق القانون هنا، والكيل بمكيالين هناك، والتشدد هنا، والتراخي هناك. أمور كثيرة كانت تعتبر من المحرمات فإذا بها اليوم مشهدا مألوفا. اقتحام مخافر، ضرب اطباء، تطويق المراكز الرسمية، اخذ الحقوق بالأيادي، احتلال مناطق، اعتداء على مؤسسات رسمية وخاصة… لم يوقف الوزراء المتعاقبون الخطأ من منبعه بل خضعت ردود فعلهم للدائرة التي تحدثنا عنها سابقا. دائرة الطموحات السياسية والصراعات المخفية على السلطة، ولذلك انتشر الخطأ واتسعت مناطقه، وعندما يحتاج الوزير إلى استعادة جزء من هيبة ضاعت يبالغ في استخدام القوة ويتعسف في تطبيق القانون فيحصد شعورا عميقا لدى شرائح كثيرة من المواطنين بانه تغاضى مع الآخرين وتشدد معهم.
وهنا تحديدا ما قصدناه بضرورة إعطاء الوزارة بعدا جديدا لا يرتبط فقط بالفعل ورد الفعل، أو بتطبيق القانون بحزم وبالتراخي أحيانا، أو بالمبالغة وبالتساهل. نريد للوزارة ان تقوم بدور الوقاية لا بالبحث عن العلاج فحسب خصوصا ان الكويت تدخل منعطفا نكذب على أنفسنا إذا قلنا إننا لا نستشعر خطورته. الخطاب الطائفي والمذهبي والقبلي هو الخطاب المنتصر اليوم في الكويت بالنقاط وبالضربات القاضية. كل شتّام لرمز ديني هنا يصبح بطلا هناك، وكل منتقص من عقائد هنا يصبح بطلا هناك، وكل مهاجم للنظام السوري هنا يصبح بطلا هناك وكل مهاجم للنظام البحريني أو أي نظام خليجي آخر يصبح بطلا هناك، وكل من يستقوي بقبيلته ضد الآخرين يصبح بطلا وكل من يدعو إلى الخروج من القبيلة والمذهب والطائفة إلى الكويت الدولة والمؤسسات يصبح خائنا للقبيلة والطائفة والمذهب… 
هل نبالغ؟ 
في لبنان قبل الحرب الأهلية كانوا يتندرون بالقول: «إذا أمطرت في الصين نحمل المظلات هنا»، لكن هذا التندر (في جوهر معناه) أوصل إلى المأساة، وها نحن اليوم مستعدون للتقاتل نصرة و«فزعة» لهذا النظام أو ذاك. طبعا الرأي السياسي مطلوب في الإطار الديموقراطي الحر الذي جبلنا عليه إنما مع انتشار سرطان الانقسامات وتراجع هيبة السلطة وتقدم مشاريع خارجية لا بد أن تكون هناك وقفة اخرى لأحد أهم أجهزة السلطة… أي وزارة الداخلية.
«الداخلية» ليست وزارة شرطة وأمن وخدمات وإقامات ومخافر ورقابة وتنصت ومداهمات فحسب. هي وزارة مطلوب منها القيام بدور محوري وأساسي في عملية الوقاية لا في ملاحقة النتائج فحسب. مطلوب منها أن ترتقي إلى مستوى التحديات فتضع استراتيجية واضحة ومحددة للتعامل مع الحالة الانقسامية التي تعيشها الكويت لجهة اقتراح الحلول ووضع التشريعات القانونية والتمهيد لإطلاق أوسع البرامج الوطنية الحوارية ومواكبة كل ما من شأنه تجريم الإساءة إلى الوحدة الوطنية… على أن يترافق ذلك كله بتطبيق القانون على الجميع والكيل بمكيال واحد وإعادة الهيبة للسلطة والقانون وإعادة الاعتبار للكويت الدولة لا الكويت القبيلة والطائفة والمذهب، والأهم من ذلك كله أن يعتبر وزير الداخلية أنه أكبر من المنصب وأكبر من الصراعات، وأن يعتبر الوزارة تكليفا لخدمة الكويت لا منطلقا للارتقاء في السلطة.
… لذلك كله، كنت أتمنى أن يكون وزير الداخلية من خارج الأسرة.