أقلامهم

حسن جوهر : أما آن الأوان لنخشى الله وأليس منكم رجل رشيد؟!

عقدة الطائفية سياسية!

د. حسن عبدالله جوهر 

هل يعقل أن كل كنوز الدنيا من الأخلاق الرفيعة والتواضع والمحبة والإحسان وحسن السيرة هي في عقيدتنا الإسلامية، ولكن سلوكنا وألسنتنا وقلوبنا أصبحت منبعاً للكراهية والبغض واللعن والسب، أما آن الأوان لنخشى الله في أنفسنا وإخوتنا وفوق ذلك كله في بلدنا، وأليس منكم رجل رشيد؟!
جلسات مجلس الأمة حتى الآن تطغى عليها أجواء الانتخابات السابقة بكل ما حملت من شحن طائفي ومكرر وممل ومدمر في نفس الوقت، ويبدو أن مجموعة من النواب لا يزالون يحسبون أنهم في المقار الانتخابية، وليسوا ممثلين للأمة برمتها، أو يعيشون هذا الهاجس النفسي، خصوصاً أنهم وعدوا ناخبيهم بالتصدي الشرس لزملائهم الآخرين، ولهذا لا يترددون حتى في اختلاق الإثارة المذهبية فقط للجوء إلى استخدام عبارات السب والشتيمة الاستعراضية.
وتقع اللائمة بشكل أكبر على النواب المخضرمين ممن يبادرون بالتحرش أو ينجرون وراء الطعم الطائفي، حيث يفترض أنهم يمارسون دور التهدئة أو على الأقل تحويل مسار النقاش إلى أجواء أكثر اعتدالاً، فتقمص دور المراهقة السياسية قد يكون المدخل الوحيد للأعضاء الجدد لإبراز عضلاتهم واختبار حناجرهم لإثبات الوجود، وليس من المقبول أن يكون هذا السلوك نابعاً ممن تمرس العمل النيابي، ولكن لا حياة لمن تنادي لأن القديم والجديد صارا في حالة تنافس لإرضاء الجمهور المتعطش للتطرف من الفريقين، والكل بات يعيش عقدة حل المجلس من جديد حتى يكون نجماً في أي انتخابات مبكرة قادمة.
والطامة الكبرى في هذه الأجواء المكهربة والمسمومة أن الخطاب الطائفي البغيض يقاد من بعض نواب التوجهات الإسلامية من السنّة والشيعة، الأمر الذي جعل من نواب آخرين لا يمتون بالتدين ولا الخطاب الديني بصلة يتدافعون، بل أحياناً يزايدون حتى على الإسلاميين في الطرح المتطرف، ولا يعكس هذا المسلك سوى عقدة سياسية أو قد يكون جزءاً من تسديد فاتورة النجاح في الانتخابات على موجة الطائفية. ونصيحة صادقة نسديها إلى النواب الإسلاميين تحديداً، لا سيما من التنظيمات السياسية أن يتقوا الله في هذا البلد وهذا الشعب؛ لسببين مهمين: الأول، أنهم الأقدر والأكثر إدراكاً لنتائج وتداعيات الطرح الطائفي؛ لمعرفتهم الدقيقة بالخلطة السرية التي تدغدغ المشاعر وتلهب العقول والقلوب بقدر معرفتهم العميقة بأن أسلوب التأجيج عقيم، وأن الجدل التاريخي في إثارة القضايا الخلافية لم يزعزع أي معسكر في فكره ومعتقده، والأكثر من ذلك كله، فالإسلاميون يفترض أن يكونوا أكثر فهماً بأن القبر والحساب والمثوى الأخير لكل إنسان، وهو الأجدر فيما يختار لنفسه، فدعوا الناس لشأنهم!
والسبب الآخر يكمن في قوة هذه التنظيمات الإسلامية وآلتها الإعلامية وقواعدها الشعبية، وقدرتها بالتالي على تهذيب الخطاب واستبدال الطرح المتشدد بآخر متسامح، فهل يعقل أن كل كنوز الدنيا من الأخلاق الرفيعة والتواضع والمحبة والإحسان وحسن السيرة هي في عقيدتنا الإسلامية، ولكن سلوكنا وألسنتنا وقلوبنا أصبحت منبعاً للكراهية والبغض واللعن والسب، أما آن الأوان لنخشى الله في أنفسنا وإخوتنا وفوق ذلك كله في بلدنا، وأليس منكم رجل رشيد؟!