أقلامهم

حسن جوهر : الأقلية تدرك أن لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع أن “تهش أو تكش”

زوبعة في فنجان!

د. حسن عبدالله جوهر

لعل من أبلغ صور الزوبعة الفنجانية هي الأحداث السياسية التي تجري في مجلس الأمة، حيث العواصف الكلامية والقذف المدفعي بالألفاظ ولغة الاستعراض في الهجوم الشخصي، ولكن دونما نتيجة تذكر أو قرار معهم يتخذ، رغم زعم الأغلبية العظمى من النواب بضرورة الاهتمام بالأولويات والعمل على إنجاز ما يهم البلد والمواطن.
الزوبعة في فنجان اصطلاح سياسي شعبي أقرب من كونه أكاديمياً لأنه يحاول أن يقرب الفكرة إلى مستوى العوام من الناس، ويظل هذا المصطلح من المفردات الرائعة المعنى من حيث اختزال المشهد السياسي العام ببساطة واختصار، فالزوبعة في حد ذاتها حالة مخيفة وتنذر بخطر كبير سواء كانت في البحر أو على اليابسة ويمكن أن تتسبب في دمار كبير، ولكن إذا كانت هذه الزوبعة حيث تلاطم الأمواج والرياح العاتية تدور في فنجان صغير، فالشيء الوحيد المفيد فيها هو أن تستمتع بالمنظر المصغر دون أي شعور بالخوف من وقوع أي مكروه.
ولعل من أبلغ صور الزوبعة الفنجانية هي الأحداث السياسية التي تجري في مجلس الأمة، حيث العواصف الكلامية والقذف المدفعي بالألفاظ ولغة الاستعراض في الهجوم الشخصي، ولكن دونما نتيجة تذكر أو قرار معهم يتخذ، رغم زعم الأغلبية العظمى من النواب بضرورة الاهتمام بالأولويات والعمل على إنجاز ما يهم البلد والمواطن.
وما يعرف بالمعارضة الجديدة أو ما اصطلح عليه أخيراً بالأقلية النيابية هو في الواقع مجرد محاولة أخيرة لإثبات الوجود من خلال البهرجة الخطابية والاستعراض في استخدام الأدوات الدستورية بأي صورة كانت، وكأنها تحاول إبراء ذمتها السياسية لإقناع قواعدها الانتخابية بأننا “لم نسكت لهم”!
وأكبر دليل على ذلك هو وجود استجواب لرئيس مجلس الوزراء لم يتم التفاعل معه سياساً ولا إعلامياً، رغم أن استجواب أي وزير في مجلس الأمة كان يضع البلد برمته على صفيح ساخن، وتحول الأمر إلى أن يصبح إضراب موظفي الجمارك أهم بكثير من مساءلة رئيس الحكومة.
ولست هنا بصدد الانتقاص من قيمة الأقلية البرلمانية أو حجب حقها في ممارسة دورها وفق ما ترى وتجتهد، ولا أستثني نواباً من الأغلبية الحالية ممن لا يقلون في المستوى المتردي من الخطاب والكلمات السوقية ومحاولة الاستمرار في لعب دور البطولة والنجومية، فهذه في النهاية سمات شخصية وأخلاقية في البشر وكل إناء بما فيه ينضح!
وحتى لا تتكرر سيناريوهات المجلس السابق في التراشق السياسي وتحول قبة عبدالله السالم إلى حلبة للمصارعة فإن الأقلية تدرك تماماً أن لا حول لها ولا قوة، ولا تستطيع أن “تهش أو تكش” سياسياً، وفي نفس الوقت فإن الأغلبية لها قوة تصويتية مريحة وتدرك أنها قادرة على إدارة الجلسات ونتائجها دون الحاجة إلى استعراضات القوة الخطابية، ويعلم الطرفان أنهما في حالة تناقض واضحة مع أنفسهما لأن كل طرف كان في الموقع المضاد قبل ثلاثة شهور فقط، والكل يعرف أن ما يمارسه الآن كان يعيبه على الطرف الآخر قبل أيام.
ولذا ينبغي على الطرفين ألا تتعدى الزوبعة الحالية حجم الفنجان، بينما العقل والمنطق والأخلاق والمصلحة العامة جميعها تقتضي أن يتمتع الطرفان بأدب الحوار والاتفاق الحضاري على ما ينفع البلد، ليبدؤوا معاً ولو بمشروع واحد متفق عليه لعل وعسى!