أقلامهم

أحمد الديين : “أسلمة القوانين”… إقحام للشريعة ولكم ان تحكموا

شعار الأسلمة!

أحمد الديين 
“أسلمة القوانين” تحوّل عمليا إلى شعار سياسي وانتخابي يردده عدد من النواب الإسلاميين وترفعه بعض الجماعات السياسية الإسلامية، أما على أرض الواقع التشريعي فقد جرى تطبيق هذا الشعار على نحو أقل ما يقال عنه إنّه لا يخدم الدين الحنيف؛ ولا يعود بالنفع على الإسلام؛ ولا يساعد على معالجة قضايا المسلمين وحلّ مشكلاتهم… وأمامكم ثلاثة نماذج شهيرة من التشريعات القانونية “المؤسلمة”، التي سبق أن أنجزها النواب الإسلاميون عبر مجالس الأمة المتعاقبة منذ دخولهم ساحة العمل البرلماني أول مرة في العام 1981، ولكم أن تحكموا عليها.
النموذج الأول هو التعديل على المادة الرابعة من قانون الجنسية الكويتية الذي تمّ إقراره في العام 1982، حيث جرت إضافة شرط اعتناق الدين الإسلامي لطالب الحصول على الجنسية الكويتية وذلك باشتراط “أن يكون مسلما بالميلاد أصلا، أو يكون قد اعتنق الدين الإسلامي وأَشّهَر إسلامه وفقا للطرق والإجراءات المتبعة، ومضت على ذلك خمس سنوات على الأقل قبل منحه الجنسية الكويتية، وتسقط هذه الجنسية بقوة القانون، ويعتبر المرسوم الصادر بمنحه إياها كأن لم يكن بارتداده عن الإسلام أو سلوكه مسلكا يقطع بنيّته في ذلك. ويترتب على سقوط الجنسية الكويتية عنه في هذه الحالة سقوطها عمن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية”… 
ومن الواضح ما ينطوي عليه هذا الربط بين الجنسية والدين من تزيّد غير ذي معنى، ناهيك عن إهداره بالأساس مبدأ المساواة واعتماده التمييز على أساس الدين بين الناس، بل بين المواطنين الكويتيين أنفهسم في بلد يمثّل المسلمون الغالبية الساحقة من مواطنيه بلا منافس ولا منازع… فهذا شرط مبتدع لم يسبق أن نصّ عليه أي قانون للجنسية في أي دولة في العالم، بل لقد قرأت ذات مرة مقالة مترجمة إلى العربية لأحد الكتّاب الصهاينة تتضمن إشارة مغرضة إلى هذا التعديل المبتدع على قانون الجنسية الكويتية في معرض تبريره مشروع “يهودية الدولة الإسرائيلية” الذي يواجه المعارضة والرفض داخل الكيان الصهيوني نفسه!
أما النموذج الآخر لهذا النوع من الأسلمة الشعاراتية للقوانين، فهو التعديل الذي تمت إضافته على المادة الأولى من قانون الانتخابات بالتزامن مع إقرار الحقوق السياسية للمرأة بحيث “يشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية”… وهو شرط لا مكان لتطبيقه على أرض الواقع الانتخابي، حيث الدوائر الانتخابية للناخبين الذكور هي الدوائر ذاتها للناخبات الإناث، وشروط الترشيح واحدة، وطريقة الانتخاب والفرز وإعلان النتائج موحدة، والقوة التصويتية للصوت الانتخابي النسائي مماثلة تماما للقوة التصويتية للصوت الانتخابي الرجالي، ما يفقد هذا الشرط معناه، اللهم إلا إذا كان القصد هو وجود مراكز انتخابية منفصلة للجنسين، وهذا أمر تنظيمي إجرائي كان يمكن إيراده من دون إقحام الشريعة الإسلامية في القانون على نحو لا يتناسب مع علو مكانتها!
والنموذج الثالث لهذا النوع من الأَسلمة المدعاة نجده في القانون رقم 46 لسنة 2006 في شأن الزكاة ومساهمة الشركات العامة والمقفلة في ميزانية الدولة، حيث يقرر هذا القانون، الذي ما أنزل الله به من سلطان،نسبة للزكاة تقلّ بل تختلف تماما عن النصاب الشرعي البالغ 2.5 في المئة، إذ تنصّ المادة الأولى من هذا القانون على أن “تُحصَّل نسبة مقدارها 1% سنويا من صافي أرباح الشركات الكويتية المساهمة والمقفلة، ولهذه الشركات عند تقديم إقراراتها بالمستحق عليها مرفقا بها ميزانياتها السنوية بموجب هذه القانون أن تحدد القدر الذي يمثّل زكاة عن أموالها من المبلغ المحصّل…”!
باختصار، فإنّ الآباء المؤسسين للدولة الكويتية الحديثة عندما أقرّوا الدستور في المجلس التأسيسي واعتمدوا الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع في المادة الثانية فقد كانوا يتلمسون منهجا واقعيا سليما في التعامل التشريعي مع الشريعة الإسلامية بعيدا عن الشعارات السياسية والمزايدات الانتخابية، وكانوا أقرب إلى احترام الشريعة الغراء واتباع سماحة الإسلام من أولئك الذين يحاولون إقحام الشريعة وزجّ الإسلام بمناسبة ومن دون مناسبة في كل أمر دنيوي تفصيلي وفي كل تشريع قانوني.