أقلامهم

صالح الشايجي : كل أمّ في الأرض هي أمّي…«نعيب زماننا والعيب فينا»

«حياتيون» لا ليبراليون

صالح الشايجي 

في عيد الأمهات.. دمعة وفاء على جبين كل أم..
لكنّ..وعليكنّ..ومنكنّ..سلام..
دقت ساعة العمل أيها الحياتيون..
الناس عيوب أزمانهم.. ومحاسنها أيضا..
الوطن..لا يركب بساط الريح..
ولا هو جسر يفضي إلى الجنة..
 
كل أمّ في الأرض هي أمّي 
ما انحنيت في عيد الأمهات.. على يد أمي لأقبلها..
ولم أعلُ..لأقبل جبينها العالي..
ولم ألف أصابعي بحرير مذهب لأقدمها هدية لها في عيدها..
منعني عن ذلك أنّ أمّي.. غدت ترابا مطحونا..
أكلتها الأرض وتنعّم بعظامها ترابها..
وحملها نعش الموت إلى حيث يبغي..
***
ولكنني في عيد الأمهات.. أنحني على يد كل أم على الأرض.. أقبّلها ممتنا
لأمومتها ..
وأعلو.. أسمق بقامتي.. أطبع دمعة وفاء على جبينها المتلألئ..
كل أم في الأرض هي أمي.. حتى إن كانت في عمر أحفادي..
***
الأمهات تيجان الدنيا..وخزائن حب لا ينفد عديدها..
الأمهات لآلئ..تزيّن الأرض..
وكل امرأة أمّ..حتى إن لم تلد..
فيا أمهات الأرض عليكن سلام.. وإليكن سلام..ومنكن سلام..
***
هل العيب في الزمان..أم في ناسه..
«نعيب زماننا والعيب فينا»..
الناس هم عيوب أزمانهم..وهم ـ أيضا ـ محاسنها ومباهجها ولؤلؤها المغرد..
وأحاول أن أصغّر القضية المطروحة تصغيرا مكانيا جغرافيا وأحصرها في جانبها الكويتي فقط.. ولن أتمدد بحجم القضية.. خشية التقصير في سخونة الطرق وخوفا من جعلها مائية سهلة الازدراد.. ومن ثم الازدراء لها ولكاتبها وطابعها وقارئها..
***
أحاول فيما سأكتب أن ألمس جرحا في كياننا الكويتي يؤذي واقعنا ويكدر صفو حياتنا ويبعدنا عن الحقيقة التي نشيح عنها ونتدثر بأسباب واهيات باليات.. دون أن ندرك أن ثمة حقيقة قائمة..وأننا نشيح عنها بقصد وربما دون قصد..بحسن نية أو بسوئها.
والحديث هنا مقصودة به جماعتنا من المشمولين بمظلة «الليبرالية» ومن يطلق عليهم تسمية «ليبراليون».. والذين لا أرى أن هذه التسمية صحيحة ومناسبة لهم.. وأرى أن الاسم الأصح لهم هو التقدميون أو الوطنيون.. والأفضل وما أميل إليه وأزكيه هو «الحياتيون».. نعم هم الحياتيون الذين يؤمنون بالحياة وبدورهم في الحياة.. وبإعمار الأرض.. وبأن وطنهم موجود على الأرض وقائم عليها.. وليس معلقا في الهواء ولا هو يركب بساط الريح.. يطير ولا يستريح..وليس هو بوابة الجنة ولا الجسر المفضي إليها..
***
جماعتنا هؤلاء شكاؤون بكاؤون.. شكاكون اتكاليون متوكلون..
سهل عليهم.. ذرف الدموع ولطم الزمان ولعنه وشتم أهله..وصعب عليهم العمل على تقويم الاعوجاج وممارســة مبادئهم التي يؤمنون بها ويحـــملون هويتها ويتحملــون «وزرها».
لا أحد ينكر سطوة فكر معين في الكويت.. ولا أحد يحاول وقف شيوع أو صد زحف التراجع واضمحلال الفكر المستنير في الكويت..
هذا واقع لست بصدد تأكيده أو معاودة العزف على أوتاره لأطرب آذان جماعتنا «الحياتيين» الذين لا تمل آذانهم سماع ما يعزف على ذلك الوتر ـ وليس مهما من يكون العازف ـ ولكنني بصدد فقء الدمّل.. وتعرية الواقع ونزع ما يتغطى به من سفاسف وزيف وجبن وخوف وعدم إيمان لدى جماعتنا «الحياتيين» الذين يلجأون إلى تعييب الزمان ولعنه بدل أن يحاولوا أن يكشفوا عيوبهم ليعرفوا أنهم هم عيب الزمان..وأنهم جزء رئيسي وأساسي في تشكيلة التراجع الذي يهيمن على البلاد ويحكم المجتمع ويشكل سماته.
وذلك لأن هذه الجماعة لا تمارس أفكارها ولا تحاول تطبيق مبادئها وما تؤمن به على الأرض وأمام الناس وفي عرض مفتوح مثلما يفعل أرباب الفكر الآخر من المعادلة والذي تشكو منه وتعيبه وتلعنه جماعتنا!
لماذا لا نرى ـ مثلا ـ تجمعات حياتية قوامها جماعات كثيرة من هؤلاء الحياتيين على شكل جمعيات أو تجمعات أو أحزاب أو تكتلات تعيش الواقع وتمارس ما تؤمن به حتى إن تصادمت مع بعض المفاهيم الاجتماعية التي سادت كمسلّمة من المسلّمات التي لا يجوز نقضها..
فإن كان هؤلاء الحياتيون ضدها فلماذا لا يمارسون الفعل الضدي لها ويكتفون بالقول ضدها فقط؟
لماذا لا ينظمون الندوات الفكرية علنا ويصيحون بصوت سيد وشجاع بآرائهم؟
ولماذا يلتحفون بالخوف من سطوة الذين قد يقلبون الأرض عليهم؟
هذه نماذج لأسئلة كثيرة واجبة الطرح.. وتتعيّن الإجابة عليها بوضوح ودونما مواربة من قبل الواجهات السياسية والفكرية للجماعات التقدمية أو «الحياتية»!
***
لقد نظمت الجمعية الثقافية النسائية ندوة للمفكر السعودي صاحب الرأي المستنير والطرح الواعي والموضوعي الدكتور «البليهي» وكان عدد الحضور من رجال ونساء يفوق كل توقع حتى امتلأت ردهات الجمعية كلها بالحضور بعدما امتلأت قاعة الندوة وضاقت عن استيعابهم..وهذا مؤشر واضح على أن التيار الحياتي موجود بكثرة وقادر على إنجاح أي فعالية أو تجمّع.
إن الحياتيين هم الذين يؤمنون بأن الناس مسؤولون عن صناعة حياتهم.. أمّا الآخرة فلا يد لهم في صناعتها ولا حتى إصبع.. فلماذا يتمّ صرف الناس عن حياتهم وتوجيههم هذا التوجيه نحو آخرتهم على حساب دنياهم وحياتهم..وعلى حساب إعمار الأرض التي يحيون عليها ويعيشون؟
وتحت ظل التخلف لا يمكن للإنسان أن يعمر الأرض ولا أن يساهم بدوره الإنساني فيها، وذلك لأن التخلف يمنع التفكير والإبداع ويوجه عقول الناس توجيها أحاديّا ويقيم محاكم التفتيش داخل العقول ولا يكتفي بظواهر الأمور وإنما يتحسس النيات ويتحسب لها.. وتلك أمور تعرفها الجماعات الحياتية ولكنها لا تعمل شيئا لأجل تغييرها بل كأنها بسكونها وصمتها وتكسير معازفها تستسلم لها وترضى بعتوّها وغلظتها وتعترف بسطوتها وسلطتها.
والمناسبات التي تستطيع القوى الحياتية إظهار إيمانها بمبادئها كثيرة ومتوزعة على أشهر السنة كلها وهي تشكل فرصة لهذه القوى من أجل إثبات إيمانها بمبادئها وإرسال رسالة للجماعة المضادة فحواها أننا لم ولن نستسلم لكم وأن هذه الأرض لنا وهذه الحياة حياتنا ونحن المسؤولون عن التكفل بها!
ومن هذه المناسبات الأعياد الدينية الإسلامية والمسيحية مثلا، والأعياد الوطنية..وكذلك الأعياد الأخرى التي ابتكرها الفكر الإنساني الحر في العالم الحر والتي لها مدلولات تؤكد صلة الإنسان بالحياة..مثل عيد الأم وعيد الحب وغيرهما من مناسبات وأعياد كثيرة.. وهناك قرى وضيع صغيرة في جميع البلدان تبتكر لها احتفالات خاصة بها لإيمانها بضرورة الفرح في الحياة ولزيادة التقارب والمحبة بين الناس.
الناس في الكويت في حاجة ماسة للترويح والترفيه ولكن التضييق عليهم والتشدد في اقتناص أفراحهم جعلهم يستوحشون ويخافون ويصدون عن المشاركة الفاعلة في الحياة ويسهل لهم الانضمام إلى فريق معين نتيجة اليأس والإحباط.. وهذا ما أثر سلبا على كفاءاتهم ومشاركاتهم ومساهماتهم في خدمة بلدهم وهو ما أدى بهم إلى الانطوائية والعزلة والكآبة وهي الحالة التي نجمت عنها قلة الإنتاج في الكويت. وهؤلاء الناس هم ضحايا هذا التيار المسمى الليبرالي والذي أسميه «الحياتي»!
لماذا لا يقوم الحياتيون الوطنيون بزرع الفرح في ساحة الإرادة.. يأتون بمعازفهم وطبولهم ويغنون ويرقصون ويفرحون؟ لماذا لا يجعلون لهم معارض طيارة أو متنقلة للرسوم والفنون التشكيلية والمنتجات اليدوية فيما يشبه الكرنفال؟ ولماذا لا يكثرون من إقامة الندوات الفكرية المستنيرة للمفكرين المستنيرين وأصحاب الطرح العقلاني والعلمي والواعي؟ ولماذا يقيم أصحاب الفكر الحياتي ندواتهم بالسر خشية من المنع والتسلط؟ وهنا أذكر بما حدث للمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد وما حدث معه وما أساء لسمعة الكويت بسبب منعه من الدخول إلى الكويت وإعادته من المطار على الطائرة التي حملته إلى بلادنا التي لا تحترم حكومتها توقيعها على تأشيرة زيارته.. ولكنها تحترم العقل الآخر الذي لم يرد له دخول الكويت خوفا من فكره ولعجز أصحاب هذا الفكر عن الرد عليه!
***
أيها السادة.. ويا أيتها السيدات من «الحياتيين والحياتيات»..امتنعوا عن تعييب زمانكم وسبّه وشتمه.. وابحثوا عن العيب فيكم..عن عجزكم عن المواجهة.. عن خوفكم من كشف ما في رؤوسكم من أفكار. ورضائكم بتلك القرارات والأعراف الجائرة التي تحكمكم وتتحكم بكم..
وهنا أتذكر حكمة كويتية صائبة تقول «من آمرك.. قال من نهاني»!
فعلا إن الفكر الآخر لم ينهه أحد ولم يمنعه..لذلك ساد وانتشر وهو في طريقه للتمدد والانتشار بصورة مرعبة وبتشدد أكثر مما كان عليه لأنه لم يواجه بمن يدحضه ويحجمه ويمنع انتشاره ويقلصه.
وأرجو عدم العودة لذلك الموال البائس الذي تبررون به اتكاليتكم وعجزكم وهو قولكم المكرور: إن الحكومة هي السبب وهي التي تدعم التيار الآخر وتقويه..وهذه وإن كــــانت حقيقة فهي لا تبرر عـــــجزكم وتقصيركم، لأن هناك تـــــيارا شاملا يشمل قوى اجتماعية وسياسية واقتصـــــادية وثقافية وحكومية أيضا والمطـــلوب منكم التحدي والتمرد والعصيان على هذا التيار ككل وعدم التخندق وراء تلك الأسباب، وليكن التيار الحكومي هو أول أهدافكم!
ما المشكلة في ذلك؟ وما الذي يمنعكم عنه؟
***
أنتم طلائع المجتمع وأقماره المضيئة .. وأنتم الذين تقع على كواهلكم مسؤولية صياغة الحياة في الكويت لا تلك القوى التي لا تكترث بما يحيق بالبلاد وليست مهتمة بمستقبلها وغير مشغولة بتحضرها وسمعتها وسيادتها..لأنها بمنتهى البساطة هي ضد سيادة الإنسان وحقه وحريته..وتلك هي خارطة طريقها وخطوط نهجها الفكري غير الحياتي وغير الإنساني..
ومسؤوليتكم أنتم تقتضي منكم التصرف العملي بأفكاركم وألا تكتفوا بالتنظير والقول والرفض اللفظي..لابد من التحدّي والتصدّي والمواجهة العملية..فالبلاد لم تعد تحتمل والوضع ينذر بكارثة..فاجمعوا صفوفكم وحركوا الشارع الحياتي المحب للحياة وللكويت.
هذه مسؤولية وطنية لو كنتم تعلمون..وأظنكم تعلمون ولكن لا تعملون!!