تواطؤ السلطة مع المتزمتين!
أحمد الديين
هناك جماعات متزمتة متشددة؛ وهناك نواب متزمتون يستحقون بجدارة وصفهم بالظلاميين وأعداء الحياة والفرح والسعادة وغير ذلك من الأوصاف…حيث يطلق هؤلاء المتزمتون تصريحاتهم الصحافية المتتالية التي يطالبون فيها بفرض القيود على الحريات الشخصية والتدخّل في الحياة الخاصة، ويحاولون ما أمكنهم ذلك فرض وصايتهم على المجتمع ونمط الحياة الاجتماعية وعلى الثقافة والفن، وهم بالطبع يهددون ويتوعدون كل مخالف لهم؛ ويرفضون كل ما يرونه مختلفا عن معاييرهم …
هؤلاء وأمثالهم موجودون في أي مجتمع، وهناك في التاريخ الكويتي شواهد عديدة على المحاولات البائسة لهذه الجماعات والعناصر المتزمتة نجدها في الاعتراض على تعليم اللغة الإنجليزية في العام 1926، ورفضهم إنشاء أول مطبعة في العام 1928، ومعارضتهم فتح مدارس حديثة لتعليم البنات في الثلاثينيات، وحملتهم ضد السماح بإنشاء دور عامة للعرض السينمائي في الخمسينيات، وصولا إلى ما نشهده هذه الأيام وآخره اعتراضهم على إقامة “ملتقى النهضة الشبابي الثالث”!
ولكن الأهم من ذلك كله أنّ هناك سلطة، تتبعها حكومة ويمثلها رئيس مجلس الوزراء وتضم وزراء ووزارات وجهات حكومية، هي صاحبة القرار وهي المسؤولة عن اتخاذه، ولا يجوز على الإطلاق التهوين من دورها؛ أو تبرئة ساحتها؛ أو تبرير قراراتها بالتذرع بخضوعها للمتزمتين، وإنما هي سلطة متواطئة معهم تماما بما يخدم السلطة نفسها… فقرار منع “ملتقى النهضة الشبابي الثالث” وفقا للتصريح الرسمي لإدارة الملتقى صادر عن وزارة الداخلية وليس عن “كتلة العدالة” المزعومة؛ وكذلك قبله القرار المستهجن بعدم السماح للمفكر العربي الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد دخول الكويت في العام 2009 لإلقاء محاضرات… كما أنّ وزير الإعلام الأسبق، وليس أي نائب إسلامي متشدد من مستجوبيه، هو الذي أصدر في مايو من العام 2004 القرار الوزاري التعيس المتضمّن الضوابط الثلاثة عشرللحفلات الفنية، وكذلك فإنّ أجهزة الرقابة في وزارة الإعلام هي التي تتخذ سنويا بدءا من العام 1998الإجراءات التعسفية المتشددة في الرقابة على الكتب ومنعها من التداول في معرض الكويت للكتاب… ووزارة الشؤون هي من اتخذت في العام 1977قرار حلّ “نادي الاستقلال” انسجاما مع الموقف العدائي للسلطة تجاه القوى التقدمية والوطنية… بينما نجد في المقابل أمثلة عديدة على خلاف ذلك، ربما كان أشهرها التجاهل التام للسلطة في العام 1999لاعتراضات المتزمتين ورفضها تهديداتهم ضد أول مهرجانات “هلا فبراير”، بل لقد كانت إيماءة السلطة في دعم المهرجان كافية لإقامة احتفال جماهيري غير مسبوق في تلك المناسبة!
إنّ تواطؤ السلطة مع المتزمتين، وليس خضوعها لهم أو ضعفها أمامهم، هو ما يجب التركيز عليه…وهو تواطؤ يعود بالأساس إلى النزعة الرجعية المتأصلة في السلطة ونزوعها غير الديمقراطي، كما يعزى هذا التواطؤ السلطوي مع المتزمتين في دعاويهم للمنع والحظر والتقييدإلى تعمّد السلطة صرف الأنظار عن الصراع السياسي المفترض معها حول قضايا الديمقراطية ومحاربة الفساد ومحاولة حصره في نطاق الصراع الاجتماعي والثقافي بين الإسلاميين والمحافظين من جهة ودعاة التحرر من جهة أخرى… والمؤسف أنّ هناك كثيرين ينساقون وراء الوهم حول ضعف السلطة أمام المتزمتين فتجدهم يغضون عنها الطرف في تغافل ساذج؛ ويحصرون صراعهم مع الجماعات المتزمتة ونوابها؛ ويتجاهلون صاحب القرار والمسؤول سياسيا وإداريا عنه..!
أضف تعليق