أقلامهم

يوسف القعيد: جلس على كرسي الأبدية… ولكن البابا شنودة «شاعراً»

البابا شنودة … «شاعراً»

 يوسف القعيد
لا يصدق أحد… أن فترة عزلة البابا شنودة في دير وادي النطرون في السنوات الخمس الأولى من ثمانينات القرن الماضي، كانت عزلة حقيقية توافد المصريون لزيارته كنوع من الاحتجاج على قرار الرئيس السادات.
عن نفسي زرته مرتين، الأولى لإجراء حوار صحافي معه، والثانية ضمن وفد شكلته نقابة الصحافيين، حيث قضينا معه يوم جمعة في الدير، وعرفت منه أنه شاعر لا يتحمس كثيرا لنشر شعره على نطاق واسع بسبب حساسية وضعه الديني والروحي.
ولذلك طبعت له كتب تزيد على المئة ليس من بينها ديوان شعر واحد، اللهم ان كانت هذه الدواوين قد طبعت في طبعات داخلية في الكنيسة.
الآن لم يعد هناك حرج في نشر أشعاره على أوسع نطاق.. فالرجل ترجل من فوق كرسي البابوية وجلس على كرسي الأبدية، والتي يقولون عنها في المفردات المسيحية انه «تنيح»، وإن كنت لم أجد تفسيرا لغويا مقبولا لعبارة تنيح ويخيل إليّ أنها مفردة من اللغة القبطية القديمة.
هذه قراءة لبعض أشعاره التي لم تكن تنشر بتوسع في حياته:
من قصيدة : ماحياتي… كيف صرت؟
«ما حياتي… كيف صرت…/ ماذا أحكي؟ لست أدري/ كنت طفلا صرت كهلا/ كيف مد الله عمري/ كيف قاد الله خطوي/ وتولى الله أمري منذ أن كنت صبيا/ وإلى أن شاب شعري / لست أدري كيف صرت/ كيف قاد الله سيري/ لست أدري ماذا كنت/ لولا ربي ليت شعري/ إذ دعاني الرب قلت/ أنت من يختار دوري/ أنا منك وإليك/ لك قد فوضت أمري/ ها حياتي في يديك / هاك قلبي هاك فكري/ أنت من يفرح قلبي/ أنت من يثلج صدري/ أنت من يرشد عقلي/ أنت من قد صاغ شعري/ أنت عوني أنت حصني / أنت مجدي أنت فخري».
وفي قصيدة أخرى:
«غريبا عشت في الدنيا نزيلا مثل آبائي/ غريبا في أساليبي وأفكاري وأهوائي/غريبا لم أجد سمعا أفرغ فيه آرائي/ يحار الناس في ألفي ولايدرون ما بائي/ يموج القوم في مرج وفي صخب وضوضاء/ وأقبع هنا وحدي بقلبي الوادع النائي/غريبا لم أجد بيتا ولا ركنا لإيوائي».
وفي قصيدة بعنوان في حب مصر:
«جعلتك يامصر في مهجتي/ وأهواك يا مصر عمق الهوى/ إذا غبت عنك ولو فترة/ أذوب حنينا أقاسي النوى/ إذا عطشت إلى الحب يوما / بحبك يا مصر قلبي ارتوى/ نوى الكل رفعك فوق الرؤوس/ وحقا لكل امرئ ما نوى»
ومن قصيدة عنوانها قد كنت في غربة:
«قد كنت في غربة أو كنت في ظن/ ثم انثنيت، وبي شوق إلى وطني/ قد خدروني بألفاظ منمقة/ وطل سهرهم ينصب في أذني/ حتى انخدعت بما قالوا وماسردوا/ يوم انخدعت بهم، كم كان أبراني».
ومن قصيدة كتبها البابا شنودة سنة 1946، وكان عمره في ذلك الوقت 23 سنة، فهو من مواليد 1923، يقول :
«كسبت العمر لاجاه/ يشغلني ولا مال/ ولابيت يعطلني/ ولا صحب ولا آل/ هنا في الدير آيات/ تعزيني وأمثال/ هنا الإنجيل مصباح/ ولا يخفيه مكيال/ هنا لاترهب الرهبان/ قضبان وأغلال/ ولا تستعبد الوجدان/ أغراض وآمال/ ولاتلهو بنا الدنيا/ فإدبار وإقبال/ أقول لكل شيطان/ يريد الآن إغرائي حذارك إنني أحيا/ غريبا مثل آبائي»
لم يتوقف نصب البابا شنودة عند حدود قصيدة الفصحى بل كتب العامية وشعر العامية الذي كتبه يبدو قريبا من الزجل… وله قصيدة عن دراسته لمادة الجغرافيا وصعوبة فهمها:
«حاجة غريبة بدخلها بالعافية في مخي ما تدخلش/ بنشوف في الأطلس أمريكا وألمانيا وبلاد الدوتشي/ ما تقولي بأي فوتوغرافيا وتقول ماتقول ماحاصدقشي/ حاجة غريبة بدخلها بالعافية في مخي ماتدخلش».
وحدث أن تمت ترقية عميد كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول جامعة القاهرة فيما بعد- فقال الطالب نظير جيد البابا شنودة الثالث في ما بعد شعرا فكاهيا حول هذه المناسبة:
«ياما نفسي شهر واحد بس مش عايزه يزيد/ يعملوني فيه عميد أو حتى نائب للعميد/ كنت أعمل للسكاشن كلها ترتيب جديد/ كنت أخلي الشخص يتخرج تقول زي الحديد/ كنت أمشي الشخص منكم ع العجين ما يلخبطوش/ كنت ألغي قسم جغرافيا ومش ناقصين مضايقة/ موتنا من كتر المذاكرة ومش لاقيين ذاكرتنا حايقة/ من غير الجغرافيا تبقى دراسة الكلية رايقة/ مش ظريف الاقتراح ده يخليكم ماتسقطوش/ بس أنا يا خسارة عايش وسط ناس ما يعبروش/ لو كانوا يعرفوا مقداري كانوا ما يسيبونيش/ يعني لو ما كنتش أعرف المناخ ده استوائي أبقى جاهل/ يعني لو كنت أعرف الجبل ده التوائي أبقى جاهل / يعني لو كنت أعرف بيليزوي وكيتيزي وميليزوي أبقى جاهل /ده كلام فارغ ده مقرر مش مريح/ دي مضايقة دي سماجة بس لما أبقى عميد/ والأمل ده مش بعيد / ها أبقى ألغي كل حاجة».
كل ما أرجوه من الإخوة الشعراء المحترفين وما أكثرهم التنازل قليلا عن شروط قول الشعر، فالرجل يمكن اعتباره شاعرا هاويا، ويمكن أن يكون مقلدا لغيره من الشعراء. 
كلام كثير يمكن أن يقال عن شعره، لكن عن نفسي أعترف أنني استمتعت كثيرا بقصيدته التي يتصور نفسه فيها عميدا لكلية الآداب، وما يمكن أن يفعله بعد العمادة. الشعر هنا قريب من روح الزجل الذي يضحك من يقرأه.