التطرف لماذا نكرهه؟
خولة العتيقي
التطرف انجذاب حاد في القول والتصرف والتفكير الى قطبين بعيدين عن بعضهما احدهما في اقصى الشمال والآخر في اقصى اليمين، احدهما سالب والآخر موجب لا يمكن ان يلتقيا على امر سواء ويزداد خطره حين يقر في ذهن ممارسه انه هو الصح وما يراه هو الحقيقة ومن غيره دائما على خطأ.
فيؤثر ذلك على العلاقات الانسانية وعلى الحياة السياسية ويهدم كيان اي مؤسسة اجتماعية سواء كانت اسرية او مجتمعية وقد يؤدي الى انهيار الدولة او فقدان الامن فيها، كل جماعة او دولة تلتف حول فكرة او سياسة معينة وتتحد على هذه الفكرة ثم تنمو وتتطور ويدب الخلاف بين افرادها حول المنهج والتطبيق وتبدأ بذور التفرق تظهر ثم تتحول عند بعض الافراد الى تطرف يؤدي بالفكرة او يقتلها كلية، والامر الاخطر حين يتعلق الخلاف المؤدي الى التطرف بأمور الدولة وتسيير البلد.
سياسة الدول لا يمكن ان تنجح الا اذا سيرت الامور فيها على التوسط والتسديد والمقاربة بين الامور العامة، يصاحب ذلك تضحية من بعض الافراد من اجل استقامة الامور، وتتطلب من الحاكم العدل حتى لا يعطي فرصة للمتطرفين يستغلونها لجمع الاتباع والمريدين واتهام الحكم بالوقوف مع طرف ضد الآخر، فيصبح نصف المجتمع مدافعا عن نفسه حرصا على بقائه، وقد لا يكون النصف الآخر حكيما فينشأ الصراع ويبدأ انهيار الدولة وقد تندثر بسبب التطرف.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما علاقتنا نحن كدولة وكشعب او كأمة كما يحلو لنا ان نطلق على انفسنا بما تحدثنا عنه في المقدمة؟ واين وصل بنا الحال؟ هل نحن في بداية التطرف؟ ام اننا قطعنا شوطا نغذي التطرف في الخفاء الى ان امتلأت الجعبة وبدأ يظهر ويطفو على السطح؟ وماذا نستطيع ان نفعل لنوقف هذا الوباء الذي بدأ ينخر في مجتمعنا؟ اسئلة كثيرة وقد يتفرع منها اسئلة اكثر، ولكن الجواب الشافي والكافي عليها موجود في يد الحكومة، حين تقيم العدل بين الناس وحين تكون الدولة دولة قانون ومؤسسات لا دولة طوائف واحزاب حين يتساوى الفقير مع الغني امام القانون وحين يطبق القانون على الجميع لا يستثنى منه أحد، هنا يطمئن الفرد على نفسه وعلى ممتلكاته فلا يضطر ان يتبع اقصى اليمين ولا اقصى الشمال ولن يبحث عن طائفة او قبيلة او حزب يعتقد انه سيأتيه بحقه ان ظلم. يقال في الاثر: «ان دولة الظلم ساعة، ودولة الحق الى قيام الساعة».
ولكن برأيي المتواضع ان ساعة دولة الظلم تبدو كالدهور طويلة مدلهمة الظلام لا يستطيع الانسان الا ان يتطرف ليتخلص منها. اما دولة الحق والمقصود بها الدين والقانون المطبق على الجميع بمساواة وعدل فتعمر وتعيش الى ما لا نهاية متحدية المقولات المتداولة «سادت ثم بادت» فما زال الاسلام قائما وسيظل الى قيام الساعة بالرغم مما يرتكبه اتباعه من اخطاء. لان هناك جماعات متفرقة في اصقاع الارض تذود عنه وتستمد قوانينها منه، فالقوانين المستمدة من الدين سواء كان اسلاميا او مسيحيا او يهوديا جاءت من مصدر الهي واحد مهما داخل بعضها من تحريف او تغيير يظل نفسها ربانيا ومصدرها الهيا، ولا يقضي على التطرف الا العدل والمساواة في المعاملة بين ابناء الشعب الواحد.
أضف تعليق