إنكار الحق.. جهالة!
محمد عبدالقادر الجاسم
أشرت في مقالي السباق إلى أنه من المتوقع أن يبدي بعض القضاة معارضة شديدة للاقتراح بقانون المقدم من عدد من النواب لتعديل القانون الحالي لتنظيم القضاء. وبالطبع فإنه لا ضرر إطلاقا من تعدد الآراء وتنوعها واختلافها حين يتصل الأمر باقتراح قانون، ولا بأس أيضا من الاستماع إلى من يعنيهم أمر القانون، إلا أن اختلاف الآراء حول قانون تنظيم القضاء يجب أن ينطلق من قاعدة واحدة مشتركة تجمع كل الأطراف وهي أن من حق مجلس الأمة، أو السلطة التشريعة وهي الأمير ومجلس الأمة، إعادة تنظيم القضاء، ولا يعد هذا الأمر تدخلا محرما أو محظورا في الشأن القضائي، ولا يوجد أي تعارض بين فكرة «استقلال القضاء» وبين ممارسة السلطة التشريعية لاختصاصها في التشريع.
إن الاختصاص التشريعي لا يتوقف عند حدود القضاء، بل أن القضاء يعمل وفق القوانين التي تضعها السلطة التشريعية، سواء في إطار الفصل في المنازعات، أو في إطار التنظيم الإداري للمحاكم. إن استقلال القضاء لا يعني أن يستقل القضاة بوضع قوانينه أو منع المشرع من تنظيم شؤونهم، ومن يؤمن بعكس هذا، أي يقول بأن إعادة تنظيم شؤون القضاء تعد مساسا باستقلال القضاء، يكشف في الحقيقة ضحالة وضعف في التأسيس القانوني.
إن للدولة وظائف ثلاث، هي الوظيفة التنفيذية والوظيفة التشريعية والوظيفة القضائية، وقد أنتج هذا التحديد لوظائف الدولة فكرة توزيع تلك الوظائف على سلطات مختلفة هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، ثم ظهر مبدأ الفصل التام الجامد بين السلطات الذي ثبت عمليا أن تطبيقه أمر مستحيل كما أظهرت تجربة دستور الثورة الفرنسية عام 1791 الذي تبنى الفصل المطلق بين السلطات والتي أكدت استحالة تطبيق هذا المستوى من الفصل بين السلطات، بل أنه حتى في الولايات المتحدة الأمريكية يشير الواقع بأن الفصل بين السلطات ليس فصلا جامدا.
وبالطبع فإن الدستور الكويتي تبنى صراحة مبدأ الفصل المرن في المادة 50 وهذا الفصل المرن والتعاون والتوازن والرقابة المتبادلة بين السلطات هو جوهر النظام البرلماني، ولا تخرج السلطة القضائية عن نطاق هذا الفصل، ولو قيل إن السلطة القضائية تخرج عن نطاق الرقابة، فإن هذا القول يتعارض مع الغاية من مبدأ الفصل بين السلطات وهي الحد من التسلط تحت راية أن السلطة تحد السلطة.
باختصار، إن من حق السلطة التشريعية إعادة تنظيم القضاء، ولا ينكر هذا الحق إلا جاهل!
أضف تعليق