الإسلاميون بين المضمر والمعلن..!
أحمد الديين
لإزالة أي التباس أو سوء فهم في موقف التقدميين الكويتيين تجاه الإسلاميين أو تحديدا الموقف تجاه التيارات السياسية الإسلامية،فقد يكون من المناسب أن أوضح أنّ التيار التقدمي الذي أتشرّف بالانتماء إليه ليس من دعاة إقصاء الإسلاميين ولا يراهم كتلة صماء واحدة غير قابلة للتغيير؛ فهناك درجات من التمايز في صفوفهم بين المتزمتين والمعتدلين… ونحن التقدميين لا نختزل الصراع السياسي في الصراع مع الإسلاميين وحدهم، مثلما يفعل معظم الليبراليين،إذ ننطلق من أولوية التناقض مع النهج السلطوي وقوى الفساد وسطوة الحلف الطبقي المسيطر، وذلك كله في الوقت الذي نرفض فيه استغلال الدين لأغراض سياسية؛ مثلما نعارض مشروع الدولة الدينية متمسكين بالدولة المدنية وبمبادئ الحرية والمساواة التي هي أسس النظام الديمقراطي.
وانطلاقا من هذا الموقف الواضح وغير الملتبس فإنّه من الطبيعي أن يشارك التقدميون الكويتيون بقية التيارات المدنية في المجتمع مخاوفها المشروعة والمبررة تجاه تحرك التيارات السياسية الإسلامية لتطبيق أجندتها المضمرة، التي كانت تخفيها تكتيكيا خلال فترة الحراك الشعبي، عندما كانت هذه التيارات تكتفي بطرح مطالب وشعارات ومواقف واقتراحات ذات صلة بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، والآن، وبعد أن حققت هذه التيارات مرادها بتشكيلها الغالبية النيابية مع حلفائها ها هي تكشف جزءا من أجندتها المضمرة وتبدأ التحرك العملي لفرضها… وهذا ما يتضح في تحركها لجمع توقيعات النواب على اقتراح تنقيح المادة التاسعة والسبعين من الدستور بحيث لا يصدر قانون إلا إذا كان متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية للالتفاف على فشل اقتراحات تنقيح المادة الثانية من الدستور، وكذلك اقتراح نوابها قوانين من شأنها الوصاية على الحرية الشخصية للأفراد والتدخّل في حياتهم الخاصة، من شاكلة الاقتراح بقانون المسمى “قانون الحشمة” والإعلان عن التوجّه إلى فرض ارتداء النساء للحجاب بقوة القانون، ناهيك عن استعراض القوة عبر مواقف ومطالبات وتصريحات لا تخلو من نَفَسٍ طائفي ونزعة استبدادية!
وهذا ما نشهده أيضا في تونس ومصر بعد فوز الأحزاب السياسية الإسلامية هناك بالغالبية النيابية، فقد أعلن أحد زعماء “حركة النهضة” في تونس بوضوح أنّ فوز الحركة بالغالبية وتشكيل الحكومة إنما هي خطوة على طريق استراتيجية إقامة ما أسماه “دولة الخلافة” أي الدولة الدينية، وذلك على خلاف ما كانت “حركة النهضة” تطرحه قبل الانتخابات من شعارات “ديمقراطية” و”مدنية”، فيما كشفت الأحزاب الإسلامية في مصر عن جانب من أجندتها السياسية المضمرة عبر محاولتها فرض سطوتهاشبه المطلقة على تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور التي ستتولى صياغة الدستور المصري الجديد، وتراجع “جماعة الإخوان المسلمين” عن التزامها المعلن بعدم خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح يمثّلها؛ حيث أعلنت ترشيحها “الشاطر” للرئاسة!
وبالطبع فإنّ كشف التيارات السياسية الإسلامية عن جانب من أجندتها المضمرة لابد أن يدفع بالضرورة التيارات المدنية في المجتمع إلى التصدي الحازم لمثل هذه الأجندة التي ستقود في حال نجاحها إلى تغيير الطابع المدني للدولة والمساس بالحريات الشخصية… ومثل هذه المعركة ليست معركة ضد الدين ولا هي معركة ضد الشريعة، مثلما يحاول البعض تصويرها، فالإسلام هو دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولكنها معركة ضد محاولات العبث بالدستور؛ وضد المساس بالأسس الديمقراطية والمدنية للدولة؛ وضد الأجندة المضمرة للتيارات السياسية الإسلامية… وهي بالتأكيد معركة مستحقة شأنها شأن معركة الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد..!

أضف تعليق