آراؤهم

الاحتقان في الكويت.. نظرة فكرية

الفكر… هو انعكاس للواقع الذي يعيشه الانسان، ووعي الفكر يعمل على تغيير هذا الواقع نحو ما يحقق الفائدة، وما بين الفكر والواقع علاقة جدلية متفاعلة بشكل دائم تُحدث بتفاعلها التغيير مع الأخذ بالحسبان المتغيرات الأخرى، والتي لها صفة الحداثة.
فالأزمات المتتالية التي يعيشها الانسان مؤشر قوي على اللااستقرار!
وبالنظر للاحتقان السائد في البلاد والصراع الخفي الدائر يمكن للأحداث أن تتطور الى وضع لا تحمد عقباه في ظل ضغوط متراكمة تربك الوضع الداخلي، بشل عجلة التنمية والتطوير آخرها الضغط النقابي المؤثر لبعض الجهات بالمطالبة بالغاء قرارات مجلس الخدمة المدنية بشأن الزيادات وبتحقيق العدالة الاجتماعية، بما يرضي طموحات جميع الفئات العاملة في مختلف القطاعات مما وضع الحكومة في زاوية الخيبة والاحراج.
هذا الأمر له تداعيات خطيرة وأثار عميقة الضرر على مختلف الأصعدة، فالقضية ليست في زيادة الرواتب بحد ذاتها انما في اشكالية التهميش والاقصاء والتمييز الذي يدفع الأفراد الى حراك للتعبير عن غضبهم ورفضهم للأوضاع التي يعيشونها كخيار أظهر نجاعته في كثير من الأزمات.
فبالنظر لما يتقاضاه الفرد في الكويت مقارنة ببعض الدول الاخرى فان ما يحصل عليه الفرد في تلك الدول لا يصنع له كرامة بل يعتبرها هو اهانة له لتدنيها.
ان مكمن الخطورة الذي نعيشه اليوم ليس في أحداث متكررة وأزمات متتالية، والتي أصبحت ظواهر تتكرر في أشكال عدة فحسب، انما في بُؤس الذوات وفقر الأنفس وغياب القناعة، فالمطالبة بالحقوق يفترض ان يقابلها أداء فعال للواجبات… فالحقوق توازي الواجبات، ولاحداث نوع من التوازن بينها لتتسع دائرة المسؤولية ازاء المجتمع يتم ذلك من خلال تحقيق الانسجام بين القيم، كالمواطنة والمسؤولية كمحددات أساسية يتم استبطانها منذ الصغر من خلال التنشئة الاجتماعية والتي تقوم بها الأسرة والمجتمع لتتحول تلك القيم الى سلوك يمارس بضمير يقظ.
لذا كان لزاما على صانعي القرار ان يُدركوا ان لم يُعيدوا النظر في منظومة القيم ولم تبرز تلك القيم كمحددات اساسية للفكر والسلوك، فان الحرية في فهم الافراد ستتخذ منحنى «الأنانية» الأخذ فقط… والتي تدفعهم للمطالبة بالحقوق دون الحرص على البناء الفعال وتقدير عواقب الأمور بنتائج سلبية لما يحدث.
وهنا نتساءل هل المسؤولية أمر ملازم لممارسة الحرية؟ وللاجابة علينا ان نؤكد ان مؤسسات المجتمع المدني تتحمل العبء الأكبر في ذلك، وهي تلعب دورا محوريا في تأصيل ثقافة الحقوق والواجبات والتأكيد على ان المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصية، وان الحرية مسؤولية تمارس.
فشتان ما بين حرية التعبير والتعبير بحرية، فاذا كانت الأولى مجرد رأي قد يُؤخذ به أو يُرفض، فان الثانية بفرضها عنوة تحوي اساءة للمجتمع باقصاء الرأي المغاير والتعدي على حقوق الآخرين سواء في المبدأ أو الدين أو المذهب… وحتى العرف.
ان الاضراب حق من الحقوق النقابية يُنظم وفق قانون يحدد العلاقة بين الأطراف والآلية المتبعة والشروط المتفق عليها حفاظا على حقوق المواطن والخدمات التي يتلقاها، وذلك وفقا لما نصت عليه المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية.
ونظرا لخطورة ما يترتب عليه الاضراب من ضرر على كيان المجتمع اذا ما أُسيئ استخدامه مما يبعث على الفوضى وارباك الأمن والاخلال بمصالح المجتمع، استلزم الأمر فرض بعض القيود التي تكفل شرعيته وموضوعيته، وأهم تلك القيود ان يكون الاضراب سلميا وينظم من خلال النقابة التي يتبعها الافراد ولا يُحدث أضرارا بالمنشآت والممتلكات الخاصة بالمجتمع أو تخريبا لأموال الدولة او الاخلال بالنظام العام أو التحريض بهتافات للنيل من نظام الحكم والأمن وتعطيل الخدمات الأساسية التي تقدم للمواطن، بحيث لا تتأثر مصالح الافراد بسبب تعطيل بعض المرافق الحيوية المهمة كما حدث في الأيام القليلة الماضية في الكويت، فحق الاضراب يجب أن يكون من مبدأ تنظيمي ليس الا… فالفوضى لا تأتي الا بالفوضى. والتخبط لا يفرز الا مزيدا من الارتجاجات… والأزمات المتتالية ليست سوى اشارات لا تُخطئ… هنا تتدافع بفكري كم من الاستفسارات فرضها الوضع الحالي الذي نعيشه وهي… هل يمكن للحكومة ان تتدارك انفجار الوضع في ظل هذا الاحتقان السائد؟ هل الحكومة قادرة على التعاطي بحكمة وايجابية مع هذه الازمة والتي أضحت تتسع لتطول جهات حكومية أخرى تهدد بالاضراب؟ هل عجز القانون عن الردع المناسب للعنف اللفظي والجسدي والتعدي على الآخرين وحقوقهم في التعبير عن رأيهم؟ والسؤال الأهم. 
هل تُخطئ الارتجاجات التي تسبق الهزات الأرضية القوية؟!
في النهاية… نحن الكويتيين في حاجة ماسة للتهدئة… وللعيش بايقاع انفعالي منظم عميق واثق يؤكد ذواتنا… فاننا نسير… بل في الحقيقة نحن «نلهث» ولكننا للأسف… لا نتقدم.

Dr_mon_alo@hotmail.com