الحبس الاحتياطي بين الاستجواب والتعديل
د. عادل ابراهيم الابراهيم
تتداول الأوساط المحلية، النيابية منها والإعلامية، ما تم اتخاذه من إجراءات قانونية قامت بها جهات التحقيق تتمثل بالحبس الاحتياطي تجاه عدد من المواطنين تم إلقاء القبض عليهم على ذمة قضايا مختلفة، بوصفه تعسفا ولا توجد مبررات لاستعماله، وتوجه النائب د.وليد الطبطبائي بالتنسيق مع عدد من الأعضاء بتقديم استجواب للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ احمد الحمود يتعلق بالتعسف باستخدام السلطة.
بداية نود الإشارة الى ان الدستور الكويتي في المادة 31 اجاز الحبس الاحتياطي حيث اشار الى انه «لا يجوز القبض على انسان او حبسه او تفتيشه او تحديد إقامته او تقييد حريته في الإقامة او التنقل إلا وفقا لأحكام القانون…»، وبالتبعية فقد نظم قانون الجزاء الحبس الاحتياطي في المادة 69 التي تنص على انه «إذا رئي ان مصلحة التحقيق تستوجب حبس المتهم احتياطيا لمنعه من الهرب او من التأثير في سير التحقيق جاز حبسه احتياطيا لمدة لا تزيد على ثلاثة أسابيع من تاريخ القبض عليه…». وجدير بالقول ان الحبس الاحتياطي هو إجراء تتخذه جهات التحقيق، النيابة العامة في قضايا الجنايات او ادارة التحقيقات بوزارة الداخلية بقضايا الجنح تتعلق لأسباب أشار اليها القانون وتتصف بحرمان المتهم من الحرية مدة معينة قبل صدور الحكم عليه بالإدانة.
يتضح مما سبق ان من يصدر امر الحبس الاحتياطي هي جهات التحقيق والتي كنا ومازلنا نطالب بعدم التدخل فى اختصاصاتها ضمانا للعدالة وفقا لما رسمه الدستور والقانون، وفي الواقع لا يمكن لأي كان التدخل في أي قضايا عندما تكون في يد القضاء.. ولكن في حالة الجنح ولما كانت تتبع وزارة الداخلية فهنا ياتي ضغط الأعضاء على وزير الداخلية واتهامه بالتعسف ُى استخدام السلطة وتوجيه المساءلة السياسية له، علما بان من اصدر امر الحبس الاحتياطي هي جهة التحقيق بوزارة الداخلية وليس وزير الداخلية على الرغم من اشرافه عليها.. وان اتخاذ امر الحبس الاحتياطي قد يراه المحقق ضروريا وفق ما نص عليه القانون ولكن يكون تعسفيا وباطلا ان تم اتخاذه خارج الاطر القانونية.. كما قد يراه الآخرون ومنهم الأعضاء ان ما اتخذه رئيس التحقيق تعسف ويحتاج الى مساءلة سياسية للوزير بصفته المشرف والرقيب على أداء إدارة التحقيقات، وهذا ما يوقعنا في تأويل صحة أوامر الحبس الاحتياطي من عدمه. ولا شك آن الموقف المبدئي الذي اتخذه الوزير بترك الأمر لجهات التحقيق يشير الى استقلالية جهة التحقيق عن الوزير في أداء مهامها حيث ان اي تدخل من الوزير مستقبلا سيكون له تبعات حيث آنه قد أرسى ركيزة أساسية في عدم التدخل بشؤون التحقيق، وهذا يحسب له وليس عليه.
إذن هل المطلوب من الوزير التدخل في إجراءات التحقيق؟ وبالرجوع بالذاكرة كانت هناك مطالبات نيابية بنقل تبعية إدارة التحقيقات الى القضاء لمزيد من الحيادية ومنعا لتدخل وزير الداخلية، فأين نحن الآن من هذا المطلب؟
وإذا كنا سابقا نطالب الوزير بأن يأخذ التحقيق مجراه بعيدا عن أي ضغوط وترك الأمر لجهات التحقيق بأداء واجبها فهذا بحد ذاته ما قام به الوزير وترك الأمر لجهات التحقيق بالوزارة في اتخاذ قرار الحبس الاحتياطي على الرغم من تحفظنا على طول المدة وأهمية وجود أدلة جدية على الاتهام. ومن باب المصلحة العامة وليس دفاعا عن الوزير او تجنيا على الأعضاء يحق لنا ان نتساءل: أي تعسف اتخذه الوزير الذي يراه بعض الأعضاء؟ حيث كان الأجدر بالأعضاء تحكيم العقل قبل التلويح بالاستجواب باتخاذ الإجراءات التشريعية المناسبة لتعديل مواد القانون فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي وغيرها من المواد والتي هي نتيجة الممارسة العملية أوضحت إمكانية التعسف في احتجاز المقبوض عليهم من وجهة الأعضاء، فما عليهم إلا إعادة النظر بالمادة 69 من قانون الجزاء وتقليص مدة الحبس الاحتياطي والتظلم غيرها من المواد ومخاصمة القضاء وأهمية وجود «أدلة جدية» لحبس المتهم احتياطيا والذي تقتضيه المصلحة العامة، وهذا ليس بغريب حيث ان هناك مطالبات في المؤتمرات الدولية ومنظمات حقوقية بألا يكون الحبس الاحتياطي إلا بدليل وبأقصر مدة ممكنة.
هذا ما نأمله من السادة الأعضاء في تطوير التشريعات القائمة بالحفاظ على حرية المواطن والمقيم وكرامتهم؟ بدلا من توجيه استجوابات شخصانية، فإذا كان بإمكان الأعضاء تحريك المساءلة السياسية لوزير الداخلية بإشرافه على ادارة التحقيقات فكيف سيكون التصرف او المساءلة اذا صدر أمر الحبس الاحتياطي من النيابة العامة إذن الأمر يتطلب معالجة شاملة للموضوع وليست كجزئية، وفي هذا السياق فان اللوم يقع على وزارة الإعلام على الدور السلبي لها في عدم توضيح هذه الأمور لأفراد المجتمع وكذلك الجهات المعنية بوزارة الداخلية حول الحبس الاحتياطي وإجراءاته وعدم ترك الوزير وحيدا… يجابه سيل الانتقادات، فأين التضامن الحكومي ان لم يكن الآن فمتى يكون؟

أضف تعليق