أقلامهم

الوشيحي لايحترم “بطاطين” الطائرات … يريد ان يغطي الموضوع ورجليه

على سطر ونص

محمد الوشيحي
الله يرحمه ويبرّد قبره أديبنا الكبير إبراهيم عبدالقادر المازني الذي كان يكتب مقالات أطول من نهر النيل وأغنى.
كان ينشر المقالة الواحدة على صفحات وصفحات، فتقرأها وتنام وتستيقظ وتكمل قراءتها في اليوم التالي، وتتزوج وتنجب أطفالاً تسمي أحدهم “سعود” وتدخله حضانة أجنبية فيعلّم الأطفال الأجانب لحن “ناقتي يا ناقتي لا رباع ولا سديس”، ويتخرج سعود، ويتزوج، ويُتهم في قضية أمن دولة (المخالفة المرورية في الكويت في السنوات الأخيرة باتت أخطر من تهمة أمن الدولة) وتكبر أنت، وتشيخ، ومازلت تقرأ المقالة ذاتها، وتموت، وتُدفن ومعك المقالة إياها، وتُبعث من جديد قبل أن تُنهي قراءتها.
كان هذا في عشرينيات القرن الماضي (نشر المازني بعض مقالاته في كتاب أسماه حصاد الهشيم عام 1924)، وأظن أن الناس وقتذاك كانوا يحتفون بمن ينتهي من قراءة المقالة الواحدة، كما يفعلون في حفلات الطهور، فيرقص الحصان، وتزغرد النساء.
وكنت أقرأ في اليوم الواحد أكثر من ثلاثين مقالة، محلية وعربية، وأجد الوقت الكافي لقراءة الكتب.
واليوم، في زمن تويتر ذي المئة والأربعين حرفاً، تبني العناكب مدنها الجديدة على مكتبتي، وتنفذ خطتها التنموية على الجرائد القابعة امامي على المكتب، الأمر الذي جعلني ألغي المكتبة وأجمع الكتب المهمة، فقط المهمة، في شنطة سفر من الحجم الكبير، وأتبرع بالبقية لعابري السبيل، وأصرف نظري عن غالبية مقالات الزملاء، الذين كان لهم شنة ورنة، بعد أن اعتبرتهم من “العرب البائدة”.
ويكتب الكاتب منا مقالة لا تتجاوز خُمس الصفحة أو سُدسها، فنصرخ في وجهه: “من لديه الوقت لقراءة كل هذه المخطوطة الرومانية؟”، وينصحني بعض الزملاء: “تغير الوقت أبا سلمان فلا تطل المقالة”، على اعتبار أن مقالاتي تُصنّف من المقالات الطويلة، فأرد: “لا أحترم بطاطين الطائرات، التي إذا غطت رجليك كشفت رأسك، وإذا غطت رأسك كشفت رجليك، أريد أن أغطي رأس الموضوع ورجليه”، ومع ذا أجدهم محقين عندما أختلي بنفسي وثالثنا الشيطان، وأفكر جدياً في تقليص مصروفات مقالاتي، واستخدام نظام الحقن أو المقالة الكبسولة.
وأجزم أن أحداً دون الخامسة والعشرين من عمره لا يقرأ المقالات، إلا ما ندر وزنه وطال سجنه، وأن نسبة قراء المقالات تحت سن الثلاثين لا تكاد تُرى بالعين المجردة. ولا أدري، فقد يأتي يومٌ نكتب فيه مقالة لا تتجاوز الفقرة الواحدة، وقد يأتي يوم آخر نكتب سطراً ونصف السطر فقط، فيتذمر القراء: “أوف… مَن يقرأ كل هذا؟”. الأكيد أن العربان منشغلون عن القراءة في تطوير كوكب الأرض. وحّدوووه.