أقلامهم

فخري شهاب : احترس يا معالي الوزير!… قررت ان اخرج من عزلتي

رسالة موجهة إلى وزير المالية:

احترس يا معالي الوزير!

 فخري شهاب
سيدي معالي الوزير، تحية طيبة واحتراما جما، وبعد.
ترددت طويلا قبل كتابة هذه الرسالة إلى معاليك، ولكني قررت المضي في ما عزمت عليه، لأني، وقد تابعت الضجة التي ارتفعت اخيرا للمطالبة بعلاوة غلاء للعاملين في القطاع الحكومي، وقرأت في الصحف عن عزم الحكومة على قبول المبدأ، وتخصيص %40 من جملة رواتب الموظفين كعلاوة غلاء، ولم اسمع صوتا رشيدا مخالفا لهذا العزم ينصح الحكومة الموقرة وموظفيها بأن تتأنى وتعهد الى خبرائها دراسة الطلب وما سيترتب عليه من عواقب اقتصادية ومالية، اقول اني وقد تابعت هذه الاحداث وشهدت اجماع الاطرف المعنية كافة (الحكومة ومجلس الامة والموظفين) على المضي في المشروع، قررت ان اخرج من عزلتي لأرفع صوتي محذرا مما سيتبع هذه الخطوة من عواقب وخيمة ستتحق حتما في المستقبل المنظور وبعد حلول الكارثة!
المشكلة التي أعانيها في تحرير هذه الرسالة اليكم هي اني اذا مضيت هنا في شرح المخاطر الاقتصادية والمالية التي ستواجهها الكويت نتيجة لهذا الإجراء، فستطول الرسالة ويصعب فهمها لغير الاقتصاديين المتخصصين، واني اذا أجملت سرد المخاطر المحققة التي احذر اليوم منها، سيىء فهمها، وغمضت الاخطار المؤكدة التي تنتظر الكويت. وسترون اني اتبعت حلا وسطا عسى أن يحقق ما أتوخاه. وأدرج في ما يلي أسبابي:
1 – لقد درَست ودرّست الاقتصاد في الشرق العربي وفي بريطانيا وفي أميركا، ومارست المهنة شرقا وغربا لمدة ستين عاما، وزرت خمسة وستين بلدا، ولم اعرف بلدا في الدنيا زيدت فيه الأجور والمرتبات لأكثر من 2 الى 5 في المائة.
2 – تبني زيادة الاجور على قاعدة نسبية بسيطة يبرهن عليها المطالبون بالزيادة، فيثبتون نسبة ارتفاع الاسعار المئوية ثم يطالبون بالزيادة، بانين طلبهم على تلك النسبة، وهذا ما لم يتم في الكويت، فقد جاء الطلب وقبوله عشوائيا واعتباطا، والمؤلم ان هذه الظاهرة من مميزات الرواتب في الكويت منذ انشاء الدولة الحديثة، مما ترتب عليه ان تصبح رواتب الدولة في الكويت من اعلى الرواتب كما جاء في القبس (الصفحة الاولى، الاحد، 15 ابريل الجاري). وأتبرع فاضيف ان انتاجية الموظف الحكومي هي من ادنى الانتاجات في العالم! وأود ان يتحدى هذا البيان احد لأنبري للرد عليه مفصلا في مقالة أخرى.
3 – لم تراع في استجابة طلب الزيادة تأثيرها على مستوى الاسعار في السوق المحلية، ولو أصغت الحكومة لصوت العقل لسمعت تعليق ممثل البنك الدولي في الكويت حين استرعى النظر قائلا ان الزيادة اذا لم تتبعها زيادة مساوية في الانتاج المحلي فستؤدي حتما الى ارتفاع جديد في مستوى الاسعار.
4 – كان على الحكومة فحص مستوى الاسعار والتعرف على صحته واسبابه، اذ ان حقيقة الامر ان المستوردين بالغوا في زيادة رفع الاسعار مستغلين قوة الدينار الكويتي بالقياس الى العملات الرئيسية في العالم، وهو ما كنت حرصت عليه حين صغت قانون العملة الكويتية سنة 1961.
5 – كان على السلطات المالية الكويتية ان تدرك ان قبول سياسة الوكالات المتبعة في الخليج عموما سينتج احتكارات من طبيعتها رفع الاسعار لمصلحة المستورد، وان حل ظاهرة ارتفاع الاسعار يكمن في تحرير السوق المحلية من الاحتكارات، لا بزيادة رواتب الموظفين.
6 – هل قدرت الحكومة وطأة زيادة الرواتب والاجور وتأثيرها على القطاع الخاص؟ كيف سيتأثر القطاع الخاص بعد هذه الزيادات؟ هل ستبقى الاجور فيه ثابتة ام ستتحرك؟ وكيف ستكون حركتها؟ وهل طرأ لأحد ان يتذكر ان ساعات العمل في القطاع الحكومي هي نصف ساعات العمل في القطاع الخاص من غير مبرر؟!
7 – وعلى هذا.. فلإخراج الحكومة من مأزقها، الذي اوقعت نفسها فيه، اقترح ان يتدخل مجلس الامة الموقر فيطلب تشكيل لجنة مكونة من خبراء منتدبين من صندوق النقد الدولي في واشنطن وآخرين من صندوق النقد العربي في ابوظبي ليقدموا توصياتهم مجتمعين الى وزارة المالية الكويتية لحل الازمة.
وتفضلوا بقبول فائق احترامي

فخري شهاب
مستشار وزارة المالية الكويتية 
عضو مجلس النقد الكويتي 
محاضر في الاقتصاد بجامعة اكسفورد (سابقا)