أقلامهم

دلع المفتي: سيدتي انت جميلة جدا

العيون الزرق

دلع المفتي 
من زمان.. وقبل موضة الكتب التي تبدأ عناوينها بـ «كيف» مثل: كيف تطبخ، كيف تأكل، كيف تشرب، كيف تتنفس؟ وقعت يدي على كتاب صغير للكاتب «ليو باسكاليا» بعنوان «الحب». أعترف أن اسم الكتاب هو أول ما جذبني لاسيما في تلك السنوات الفتية، ولم يكن ليخطر في ذهني أن هذا الكتاب سيبقى محفورا في ذاكرتي وروحي ما حييت.
الكتاب لم يكن دليلا لكيف يجب أن تحب، ولم يتكفل مؤلفه باستعراض الطرق الأسهل لاصطياد الحبيب، فلقد تحدث الكاتب عن الحب بوجه عام باعتباره شعوراً راقياً جميلاً يلامس القلب.. كحب الله، والناس والأطفال والأشجار والأغاني بل وحتى الطعام.
في كتابه يقول باسكاليا «ان كنت تشعر بشيء، دع الناس يعرفون ما تشعر به، لا تخفِه ولا تلجمه، ألم تتعب من الوجوه الباردة والمشاعر المجمدة؟ ان كنت سعيدا.. اضحك، ان كنت حزينا ابكِ، وان كنت معجبا بشخص.. اذهب اليه وقل له رأيك فيه.
 في مجتمعنا اليوم ابتعد الناس عن بعضهم بعضا، وجفت المشاعر». كنت أقرأ تلك النقطة بالذات بينما كنت أنتظر الطائرة في مطار ولاية فلوريدا، عندما اقتربت مني اختي الصغيرة وهي تشير باصبعها نحو سيدة جالسة في ركن صالة الانتظار قائلة «انظري الى تلك السيدة التي تجلس هناك.. انها جميلة جدا». ولأني كنت للتو أقرأ عن أهمية التعبير عن المشاعر، طلبت من المعجبة الصغيرة التوجه لتلك السيدة واعادة ما قالته لها، لكن كوننا نأتي من مجتمعات يحسب فيها التعبير عن المشاعر من المحرمات والعيب، خجلت أختي ورفضت. فما كان مني الا ان قلت: اذاً انا سأفعل.
سحبتها من يدها واتجهنا صوب السيدة، التي خمنت أن عمرها كان في منتصف السبعينات، واستأذنتها ان نكلمها. رفعت السيدة رأسها لتنظر الينا، وبالفعل في تلك اللحظة شاهدت أجمل عينين زرقاوين رأيتهما في حياتي تضيئان وجها، رغم كل تجاعيده، كان يشع بنور غريب. سكت لبرهة لاستجمع شجاعتي ثم أردفت: «سيدتي، اختي وأنا نعتقد انك جميلة جدا».
بكل صدق لا أستطيع ان أشرح لكم تعابير وجه تلك المرأة في تلك اللحظة، وكأن الحياة عادت لتضخ في شرايينها، تورد وجهها وكشفت عن ابتسامة بوسع السماء، ثم قالت: شكرا.. شكرا. لو تعرفان منذ متى لم أسمع كلمة بهذا الجمال! شكرا.. فلقد اعدتماني للحياة من جديد. وبينما كنا نبتعد عن تلك السيدة وشعور دافئ جميل يغمرنا، لمحت بريق دمع يلمع في تلك العينين الزرقاوين.
تذكروا كم من الناس في توق لأن نضخ الحياة في شرايينهم، كما فعلت كلماتنا البسيطة والصادقة مع «سيدة فلوريدا»، وأي شكل للحياة سيكون لو نتبادل المشاعر البسيطة برقة وعفوية وصدق.
عبروا عن مشاعركم، قولوا ما تشعرون به، لا تلجموا عواطفكم.. افعلوها.. فأسوأ ما يمكن أن تسمعوه هو كلمة شكرا.