أقلامهم

جاسم بودي: سمير سعيد … قصة تُروى للأبناء

 سمير سعيد … قصة تُروى

جاسم بودي
سمير سعيد ليس قصة غياب ورحيل بل قصة حياة…
لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولم يرث منصبا أو جاها، ولم يعتمد على الحسب والنسب والواسطات للدخول إلى ميدان الرياضة. ظهرت مواهبه في سن مبكرة وأدرك أن الطريقة المثلى لترجمة موهبته هي التدريب المستمر لاكتساب المهارات مع أقصى درجات الالتزام.
وعندما استقبلته الملاعب اختار أصعب موقع في الفريق، حارس مرمى، أي الرجل الذي يحمي الفريق كله من الخسارة ويذود عن شباكه. لم يختر الدفاع أو الوسط أو الهجوم وهي كلها مراكز أساسية ومهمة إنما اختار المركز الأقسى والمسؤولية الأكبر…
يحمي الحمى بينما الأضواء على غيره، ولا يمكنه السهو عن خطأ أو ارتكاب خطأ لأن غلطة «الحارس» بمليون بينما أخطاء اللاعبين يمكن أن «تطوف».
وهذه الصفات يعرفها كل من عرف الفقيد الكبير وجاوره، فهو المتيقظ دائما، والمخطط الذي يستمر في إعطاء التوجيهات للاعبين عند المربع الصغير، والمسؤول الذي لا يخجل من الاعتراف بأي خطأ. وفي الملعب كما في خارجه، يحرص على روح الفريق وإشراك الجميع في التشاور والتخطيط. وفي الملعب كما في خارجه، لم يفقد مرة روحه الرياضية متعاليا على الصغائر ومتقبلا للخسارة ومهنئا للفائز.
بهذه المعاني، حفر سمير سعيد طريقه الرياضي متابعا نهج الكبار الذين سبقوه وعلى رأسهم طبعا أحمد الطرابلسي أحد أفضل حراس المرمى الذين عرفتهم منطقة الخليج برمتها، الأمر الذي زاده تحديا لإثبات نفسه وزاده اصرارا على حماية شباك الكويت من كرات غادرة وزاده عشقا لرؤية علم الكويت ونشيدها الوطني يرتفعان في البطولات الكبرى وكأس هذه البطولات مرفوعة في أيادي لاعبي «الأزرق»… أيام جميلة بلحظاتها… كبيرة برجالاتها.
وفي عز عطائه، اعتزل الملاعب فاسحا المجال أمام المواهب الناشئة لتأخذ دورها ومفضلا الترجل عن صهوة الجواد الناجح في التوقيت الذي رآه مناسبا. اعتزل الملاعب ولم يعتزل الرياضة بل أخذ منها إجازة قصيرة ليعود إليها لاحقا بأسلوب آخر. أسس عملا خاصا مع مجموعة من الشركاء بدأوه من الصفر وأيضا بأسلوب الفريق وروح الفريق والتشاور الجماعي والتخطيط المشترك، وكان مثالا لكل الشباب أكثر منه «نموذج تاجر» تقليدي. ركز في عمل معين. خسر وربح. 
تعثر ووقف مجددا ثم تابع المسير مستفيدا من التجارب الى ان حقق وشركاءه نجاحا وسمعة واسما كانت بالنسبة لهم أهم من تحقيق أرباح مالية فقط. لماذا كان مثالا للشباب؟ لأنه لم ينتظر في طوابير التوظيف ولم يسع وراء وساطة نائب أو وزير لإبرام صفقة مشتركة من تحت الطاولة أو من فوقها، ولم يعتمد الأساليب الحالية القائمة على تبادل الولاءات والمصالح… كان رحمه الله يتعامل مع الدنيا رغم صغر سنه بعزيمة المسؤول وحيوية الرياضي وحكمة الحريص، ولذلك اراد تشجيع الشباب على خوض مختلف أنواع المهن من أبواب الاختصاص وعلى ابتداع الأفكار لا الاستمرار في السلبية، وعلى المبادرة لا المغامرة، وعلى التقدم في المشاريع المنتجة مهما بدأت صغيرة أو اعترضتها عقبات.
ومثلما كان متألقا في حياته الرياضية والمهنية كان رحمه الله راقيا في فكره ووطنيا عشق بلاده حتى الرمق الأخير. لم يعترف يوما إلا بحدود الكويت لا بالحدود الجديدة الطائفية والقبلية والمناطقية التي أراد كثيرون أن يرسموها داخل الكويت. لذلك بقي على تواصل مع الجميع ومحبوبا من الجميع، وفي الحد الفاصل بين غيبوبته والرحيل رسم سمير سعيد واحدة من أجمل صور الكويت عندما تسابق الجميع من مختلف الطوائف والمناطق على التبرع بالدم له.
كان رحمه الله رائدا من رواد عمل الخير، وكثيرون يعلمون كم كان يرفض فعلا أن تعلم يساره ما قدمت يمينه. ما غلبته المصالح وما انحنى لمصلحته الشخصية ولم يساير تيارا أو فئة على حساب المبادئ والقوانين والتشريعات، ومن تابع مواقفه الرياضية عبر مقالاته وتصريحاته يدرك كم كان يضع يده على الجرح وكم كان متألما من تحويل الرياضة في الكويت إلى «عزبة» وكم كان خائفا من خطف الرياضة الكويتية وحقن جسدها بالمسكنات كي لا تتمكن حتى من البوح بالألم.
سمير سعيد لم يكن حارس مرمى فقط بل حارسا لأشياء كثيرة، كان مقاوما لكل الظواهر الشاذة التي غزت الرياضة والمجتمع. صد الكثير من الأهداف إلى أن سجل القدر هدفا في مرمى حياته لينقله إلى ملعب الحياة الأخرى… الملعب اللامتناهي. 
سمير سعيد قصة أتمنى أن يرويها كل أب لابنائه… وأن يراها كل أب في أبنائه.