أقلامهم

يوسف الشهاب: ماتت الضمائر! … السرقة من المال العام هي القاعدة لدى ضعاف النفوس

في الكويت.. ماتت الضمائر!

يوسف الشهاب
حركة الزمان تزحف دائماً نحو الامام، ومعها تنحرف امنيات الشعوب على اختلاف مواقعها الجغرافية، وتباين انظمة الحكم فيها، الناس يتغيرون وفق ما تفرضه حركة الزمان عليهم، وما تأتي به تداعيات الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتجارة في هذه الدولة وتلك. والمنطق يقول إن الواجب والمفترض ان تكون المجتمعات في اوضاع افضل مما كانت عليه سابقاتها، لا ان تعود الى الوراء نحو السيئ والأسوأ في مفهوم الاداء الوطني والاجتماعي لديها، تلك هي حقيقة الحياة ومفهوم حركة الزمان، خاصة ان الجيل اللاحق يأخذ من الجيل السابق كل معاني الفضيلة، كالامانة والنزاهة والصدق والاحترام المتبادل وثقة التعامل، وقائمة طويلة من هذه المعاني الرفيعة والغايات السامية.
في الكويت كان الاوائل فيها، كما كان وطنهم، يزخر بالطاقات البشرية النزيهة القادرة على الابداع والصدق في الاداء ونظافة اليد ـ رغم ان ذاك الرعيل لم يكن معظمه يحمل شهادات جامعية ـ يحملون تجربة الحياة وضمائر تخاف الله في وطنها ونحو مجتمعها، اشادوا المصارف منذ الخمسينات، واقاموا التجارة، وتبادلوا المنافع، وتعاونوا على التقوى والبر، وبنوا المدارس من جيوبهم، وكانت الدولة ايضاً في مستوى الاداء، فأعطت لدول المنطقة نموذجاً يحتذى من الانتاج والخدمات المختلفة والابداع غير المسبوق في كثير من مناحي الحياة الاعلامية والتجارية والنيابية، فاستقطبت البلاد واهلها الاوائل انظار الكثير من الدول، كدولة رائدة وشعب قادر على صناعة حضارته، كما صنع تاريخه مع البحر بالغوص والسفر، كنا نصدر الابداع الى الخارج، ويأخذون منا التجربة والنموذج، كل هذا وغيره ما كان يتحقق لولا التوفيق من رب العباد، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه بالعمل الجاد والمخلص النابع من ضمائر تريد ان تعطي للكويت اكثر مما تأخذ منها، رجال كان شعارهم الصدق والامانة والحفاظ على السمعة، كل هذه القيم والمبادئ الرفيعة لم يعد لها وجود اليوم، رغم ان الثروة المالية اكثر بكثير من زمن الاوائل، لقد تغيرت النفوس بالعطاء، وتداخلت الامراض النفسية من حسد وشك واياد ملوثة بالرشوة، وضمائر ميتة لا تفكر بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب. 
صارت السرقة من المال العام هي القاعدة لدى ضعاف النفوس، والعبث في مشاريع الدولة، طمعا بالمزيد من المال، هو الشعار الذي يحمله صاحب القرار، وفوق هذا وذاك جاءت معظم وزارات الدولة للعمل على هدم معايير الأداء الراقية، من خلال قيادات فاسدة جاءت الى المنصب بالواسطة والمجاملة، وحتى حب الخشوم، فلا البيئة اعطيناها حقها، ولا الرياضة حافظنا على ما تبقى من سمعتها، على الأقل بعد ان جاءها من لا علاقة لهم بها. ولا الاقتصاد شهد تطوراً بقدر ما شهد انهياراً وزيادة في الترهل والانفاق المخيف تحت ضغوطات الاضرابات والاعتصامات، وحكومات تخاف من التداعيات، وصراخ نواب لا ينظرون الى مصلحة وطنهم مثل نظرتهم الى صندوق الانتخابات. كل شيء عندنا اليوم صار مؤلما في الحال التي وصل اليها، حتى أصحبنا أضحوكة بين الدول وللأسف، ونحن كنا في يوم من الأيام المثل الأعلى لديهم، كيف وصلت بنا الحال الى ذلك؟ 
لا شيء سوى النفوس المريضة التي فقدت كل القيم والمبادئ والضمائر والأمانة، وتحولت الى نفوس تعاني مرض العبث واللامبالاة في مقدرات الوطن، وكأن هذه النفوس ليست امتداداً لنفوس الرجال الذين أعطوا للكويت عصارة حياتهم ووضعوها في عيونهم وقلوبهم، وكيف كنا بالأمس؟ وكيف أصبحنا نبحث عن الوصول الى نقطة الضوء في نهاية النفق المظلم الذي وضعنا أنفسنا فيه؟