أقلامهم

جاسم بودي: مللت من السياسة… «أدوس فبطنك والجوتي على راسك»!!

 طيور بوبيان

جاسم بودي
مللت من السياسة وإرهاقها، ولفتني خبر جميل في عدد الثلاثاء الماضي من «الراي» يقول إن أسراباً من الطيور حطت في جزيرة بوبيان تتوزع على 500 نوع.
500 نوع من الطيور محلقة من الجنوب إلى الشمال استقرت في بوبيان. اختارت جزيرة كويتية لتعقد مؤتمرها السنوي مستعرضة أجنحتها ومناقيرها أمام الكاميرات بكل شفافية فلا شيء لديها لتخفيه ولا أسرار ولا قرارات معلنة وأخرى مبطنة. مؤتمر في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس الحارقة فالليل للنوم والنهار للعمل… ولنتخيل أنها حطت وفي بالها التفكير بالاستقرار في هذا المكان.
لماذا اختارت الأسراب الكويت وتحديدا بوبيان الطينية الرملية بدل التجمع في واحة غنّاء مظللة وارفة غنية بالمياه الحلوة؟ أمر قررته هي ولا نعرف أسبابه الحقيقية، لكن بعض الخبراء في الطيور ممن تتبعوا حركة تحليقها في فضاء الكويت قبل أن تحط الرحال في بوبيان رصدوا بقاء ثلاث مجموعات منها فوق قصر العدل ومجلس الأمة ومبنى مجلس الوزراء لمدة أيام وبشكل مستمر قبل الرحيل والتجمع في الجزيرة، كما رصدوا لقاء طويلا بين المجموعات الثلاث في بوبيان على هامش المؤتمر العام حيث غرّدت كل مجموعة أمام الآخرين وكأنها تنقل ما شاهدته أو توصلت إليه.
خبراء الطيور المراقبون لعاداتها وسلوكياتها التخاطبية، تمكنوا من فك بعض الرموز بأجهزة قياس لغوية من دون النجاح في التوصل إلى نتائج دامغة مئة في المئة… لكنهم رصدوا الآتي:
المجموعة التي حلقت فوق قصر العدل هالها حجم القضايا الموجودة فيه. ذكرت أنها زارت دولا أكبر من الكويت بعشرات المرات لكن القضايا المتداولة فيها أقل بكثير مما في الكويت. أرفف وأدراج وغرف تنوء بثقل قضايا وبينها الكثير من الخلافات بين أهل وأخوان، إضافة إلى سرقات شخصية وأخرى تتعلق بمال عام وجرائم أخلاقية ومخالفات في كل المستويات والقطاعات. لم تعكس هذه الملفات، خصوصا في جوانبها الشخصية، الوجه الذي كانت الكويت تتغنى به من تضامن وتآزر ومحبة وأخوة، ولم تعكس في جوانبها العامة الصورة التي عاشها جيلنا والجيل الذي سبقنا حيث كانت الناس فعلا تنام وأبوابها مفتوحة، وحيث كان الشقيق والقريب والجار حريصين على حلال الآخرين وممتلكاتهم حرصهم على حلالهم وممتلكاتهم. 
المجموعة التي حلقت فوق مبنى مجلس الوزراء ضاقت ذرعا ونفد صبرها وهي تسترق السمع أثناء انعقاد جلسة الحكومة، التي يفترض أن تقود شؤون البلاد كلها، إلى مناقشات طويلة عريضة للنظر في امكانية إعفاء ورثة مواطن توفي عام 1981 من دين لوزارة المواصلات قيمته 7 آلاف دينار. اعتقدت الطيور بداية أنها تحوم فوق مكتب تخليص معاملات في إدارة صغيرة في وزارة، فمن غير المعقول أن تأخذ قضية بهذا الطابع حجما يماثل الحجم الذي تأخذه الاتفاقات الإقليمية والدولية وخطط التنمية ومشاريع التطوير وتحسين الخدمات في القطاعات العامة… لكنها كانت فعلا فوق مبنى مجلس الوزراء وشاهدت بأم عينها موضوع الورثة مدرجا على جدول الأعمال وخاضعا للنقاش بينما القضايا الأخرى الأساسية والمهمة تنتظر التوافق مع مجلس الأمة أو تنتظر من يزيل عن ملفاتها غبار الإهمال والنسيان مثل الجامعات والمستشفيات والمواصلات والاتصالات والبريد… وغيرها وغيرها.
اما المجموعة التي حلقت فوق مبنى مجلس الامة فبعضها «استأنس» متخيلا نفسه أمام برامج «للكبار فقط» التي تعرضها بعض التلفزيونات الأجنبية، وبعضها الآخر خشي على صغاره من قساوة اللغة فأرخى أجنحته على آذانها خصوصا مع اشتداد «الخلاف الفكري والفقهي والتشريعي» الممزوج بعبارات مثل «ألعن أبوك وأبو أمك» او «كل(…)» أو «انثبر يا صبي» أو «أدوس فبطنك والجوتي على راسك»… اضافة إلى جرعة دائمة من دروس التاريخ حيث يعود ممثلو الأمة 1400 سنة إلى الوراء ويتوقفون عند حوادث بعينها يريدون إيجاد حل لها في العام 2012، فهذا ينتصر لأهل البيت ويهدد باحتلال الشارع وذاك ينتصر للصحابة ويهدد باحتلال الشارع، وكأن آل البيت والصحابة لم يكونوا عيني وذراعي وقلب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصفاً واحداً إلى جانبه! وفي مجلس الأمة شاهدت الطيور نوابا مكسوري الأجنحة يضعون ملفاتهم ومراجعهم واقتراحاتهم أمامهم لكنهم قبل أن يتمكنوا من عرض اقتراحاتهم يهبون لفض اشتباك بالايدي أو يقطعون طريق كوب ماء طائر من مقعد إلى آخر. 
عادت الأسراب إلى بوبيان وباحت بما شاهدت ورصدت. أما لماذا اختارت جزيرة صغيرة طينية رملية بدل الواحات الغنّاء الوارفة الظلال؟ فأمر قررته هي ولا نعرف أسبابه الحقيقية، لكن ما هي متأكدة منه بعد تحليقها فوق المباني الثلاثة أن الجزيرة ستبقى طينية ورملية وغير صالحة للاستقرار والسكن… وربما للاستمرار في شكلها الحالي مستقبلا.