أقلامهم

أفراح الهندال: ارجع إلى «ميخا» … الى العدالة..الحب..والتواضع

الأرض ليست مسطحة! 

أفراح الهندال
عَرَضاً..قرأتُ وصايا من سفر «النبي ميخا» عبر ديوان شعر اقتبَس منه، راجعت ما كتب عن «ميخا»، لأعرف أنه «قروي يكتب لأهل المدن في قوة عجيبة مملوءة بالترفق وأسلوبه من الشعر البديع»، و»ميخا» كلمة عبرية مختصرة عن ميخائيل.
 أعرف تماما كيف سيسيل لعاب شهية الهجوم للبعض الآن مع قراءة كلمة «عبري»، لن يدرك أنه حكيم من القرن الثامن قبل الميلاد، ولن يلتفت كثيرا إلى جمالية أخذ الحكمة من الحضارات الإنسانية التي أوجدت لها سبيلا لنشر السلام عبر القيم الأخلاقية التي يتفق عليها العالم أجمع بمختلف أديانه وأفكاره.
لم لا نقبل «الآخر»؟ ولم نقول مفردة «الآخر» مدججين بحمولة ثقافية مليئة بالكراهية والبغض والتسلح ضد الاستماع إليه أو محاورته، ولم نحاول التأكد من ترسانة محافظة باسم «عقائدنا وعاداتنا وتقاليدنا» لو تنازلنا عن فكرة التشدد، متكرمين بالكثير من الغرور و»التفضل» حين نقبل الحديث مع «الآخر»؟!
هذا «الآخر» المتشكل مرارا في اليوم الواحد، والمتضخم باستمرار كلما خرجنا من دائرة إلى أخرى، ذاتنا الخاصة «الأنا»، ثم الأسرة فالعائلة فالجماعة فالقومية فالشعوبية..وهكذا عبر دوائر نتقن رسمها باحتراف متهيبين فكرة العالمية، ومتشبثين 
بـ «سطحية الأرض» لنحافظ على الأبعاد المترامية التي تدعم الحدود وتعزز المسافات وترسخ الصدوع، رافضين حقيقة «كروية الأرض» التي تدور منذ القدم في هدوء وسكينة بانتظار تسامح الإنسان مع البشرية والبيئة وتصالحه الأهم مع ذاته.
نقرأ في القرآن الكريم: «يا أيها الناس.. إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، وفي سفر التكوين : «قال الرب الإله: لا يَحسُن أن يكون الإنسان وحده، فأصنع عونا بأزائه»، وهي الكتب التي لا ينكرها أهل الأديان، ولكن تحركنا غريزة الظهور لنشكل أنانيتنا بمدارات خاصة تعزز الفروقات وتدفع المشتركات الإنسانية بعيدا خارج حتى النصوص التي يؤمن بها، نؤكد أولا على اختلافها الظاهري، ونتقن تشذيبه ولو بالتمسك بأردية وأزياء باعتبارات نهبها التقديس ولا نفطن إلى أسبابها وظروفها التاريخية الطبيعية التي رسمتها، ثم نطعمها بالشواهد النصية والدلائل التي تلتقط من هنا وهناك لنخرج فكرنا طازجا من فرن التعصب.
إنه الإصرار على أن «نكون» بنزعة البقاء المرتبطة بدحر الآخر لاغير، ظاهرها أوهام نخبوية وداخلها أنانية محضة، تتحرك بوهم امتلاك الحقيقة، بكل ما فيها من خير وشر ونوازع نفسية وغرائز حيوانية، وبتفاصيل بسيطة تتركز على صلاحيات يعطيها الناس لمن ارتضوا «كيانه» الموافق لهم، يتعملق لينقلب على الناس -برضاهم- وليا لأمورهم ووصيا يأمر وينهى ويهدد ويندد ويعاقب ويثيب «المقربين»!
هؤلاء مهددون بالتهميش والاضمحلال لو اعتنوا بفكرة التسامح، ولا قيمة لهم إلا بتعزيزهم للفروقات ليتسيدوا جماعاتهم، سيخسرون الكثير لو قالوا إنه «إنسان» وكفى!  فمردود «منا وفينا» واختياره وتأهيله وفق شروطهم المقننة أكثر غنى وثراء، ليبقى «البطل الأوحد» و»المتحدث الرسمي» عن الأمة، وهو الآمر الناهي والسياف في الوقت نفسه، أي غرور خطير هذا؟! وأي خنوع وطاعة تتلبس الحشود من حولهم؟! 
لا يمكن لنا أن نعيش بسلام ما لم نضع نقطة آخر السطر بعد كلمة «إنسان»، مكتفين بحقه الوجودي وحريته المسؤولة باحترام لفكره.  ولا يمكن أن نحتفل بعالمنا ونحن نرسم كوارثه بـ «أسوأ سيناريو» نمارسه مع كتابته.  ولن تقبل كرتنا الأرضية الصغيرة وسط هذا الفضاء أن تسجل نهاياتها بأيدي من ينكرون جمالية الطبيعة التي لا تقف عند حقبة زمنية أو جغرافية، لذا تستمر بالدوران..وتحرك الجغرافيا بالكثير من الأناة والصبر، لأن المستقبل للإنسانية..
ارجع إلى «ميخا» الذي حركني لكتابة هذا المقال:
«أيها الإنسان..أنت تعرف ما هو مطلوب منك:
العدالة..الحب..والتواضع».