أقلامهم

عبدالهادي الجميل: العصر الذهبي للحاكم المتفرّد الذي يرى بأنه ظل الله على الأرض قد انتهى إلى الأبد

الراحلون هم
كتب عبدالهادي الجميل
 
حسْب الديمقراطية رفعة؛ إدّعاء الجميع التمسّك بها وفرحهم إذا نُسبوا إليها، وحسب الديكتاتورية ضعة؛ تبرّؤ الجميع منها وغضبهم إذا نُسبوا إليها…..إدمون ربّاط.
تستطيع أن تملأ الدنيا أغاني وشعارات وخطابات ولوحات إعلانية تمجّد الديمقراطيّة وتحيي قيمها وثمارها العظيمة، وتستطيع تقديم نفسك كرجل ديمقراطي يؤمن بحقوق الانسان والحريّة والعدالة، وبإمكانك أن تعطي دروسا مكثّفة في كيفية تأصيل وتجذير حرية التعبير وتداول السلطة ودولة القانون في المجتمع، كل هذا الزيف لن يصمد طويلا وسينكشف بسهولة عند أوّل اختبار حقيقي لن يكون برعاية  القنوات الحكومية أو فضائيات الدفع المسبق أو الصحف المملوكة للأتباع، بل سيكون على غصن الشجرة المطلّ على نافذة غرفة نومك حيث ستعجز عن منع بلبل حر من التغريد الشجي!
 بإمكانك ان تملأ السجون بالبشر، وبإمكانك أن تنتزع ألسنتهم وتقتلع أعينهم وتعذبهم وتقتلهم أيضا، لكنك ستنهزم بكل سهولة أمام صيحة الحق!
ليست هناك قوة تضاهي قوة الحق، للباطل قوة ولكنها غير شرعيّة، قد تنجح في إخافة وقمع بعض الناس لبعض الوقت ولكنها ستنهزم وتنهار فجأة، وفي اللحظة الأقل توقّعا، عندما يقف أمامها شاب مؤمن بأن الحق معه والوطن للجميع.
هذا الأمر ليس جديدا على البشرية، التاريخ مليء بالعشرات من القصص المشابهة، بل إنها سلسلة ممتدة منذ فرعون وحتى الرؤساء ضحايا الربيع العربي الذين كانوا يضعون أوطانهم في جيوبهم الخلفيّة وينظرون إلى شعوبهم كعبيد. ليس هذا فقط سبب الإطاحة بهم، السبب الحقيقي هو أنهم ارتكبوا ذات الغلطة المميتة التي ارتكبها أقرانهم من قبل، وهي عدم قراءة التاريخ.
الشعوب ليست عبيدا لأحد، ولا رعايا لحاكم، الوطن للشعب وليس لأبناء الحاكم، وثروة البلاد ليست رصيدا بنكيا لزوجته أو بناته أو شقيقاته.  لم يعد العالم كما كان سابقا، العصر الذهبي للحاكم المتفرّد الذي يرى بأنه ظل الله على الأرض قد انتهى إلى الأبد. ما كان يجري في القرن الماضي لم يعد مقبولا اليوم، وما كان واجبا قبل 10 سنوات لم يعد جائزا الان، بل أصبح خضوعا يأنف منه شباب اليوم!
وجود الدستور لا يضفي الشرعية إلّا على من آمن به وطبّقه على نفسه ثم جعله متاحا لشعبه كرغيف ساخن. الدستور هو الشيء الوحيد المشترك بين الدول الديمقراطية والدول القمعيّة، الفرق الوحيد هو أن دستور الدولة الديمقراطيّة سوط قاس بيد أفراد الشعب موجّه ضد الحاكم، في حين أن دستور الدولة القمعية سوط قاس بيد الحاكم موجّه ضد الشعب!
اذا رأيت-عزيزي القارئ- حاكما يكثر من مخاطبة شعبه في التلفزيون، فاعلم بأنه راحل لا محالة، لأن أكثر الناس حديثا هم أقل الناس استماعا، وأقل الناس استماعا هم الراحلون دائما في النهاية.
من قصيدة «يا أعدل الناس» للمتنبي.