أقلامهم

حسن جوهر: الديمقراطية لها جناحان هما المؤسسة التشريعية المنتخبة والصحافة الحرة، وهذا ما كان القطامي يدعو إليه

جبل ما هزّه ريح !
د. حسن عبدالله جوهر
إذا كانت الطبيعة في الكويت قد حرمتنا من الجبال الشامخة فقد عوضنا ذلك برموز من الرجال لها ذات القامات العالية، ومنهم الفقيد العم جاسم القطامي- رحمه الله- والتي وتّدوها بالمواقف الصعبة والإصرار عليها، فلم تتزحزح أو تترنح رغم الرياح التي هبت عليها مرات ومرات على مر السنين.
“يا جبل ما يهزك ريح” مثل كويتي يعبر عن الثناء، وفي نفس الوقت الدعوة إلى التمسك بالمبادئ والصبر أمام الضغوط المناوئة لها عند أصحابها، وإذا كانت الطبيعة في الكويت قد حرمتنا من الجبال الشامخة فقد عوضنا ذلك برموز من الرجال لها ذات القامات العالية، ومنهم الفقيد العم جاسم القطامي- رحمه الله- والتي وتّدوها بالمواقف الصعبة والإصرار عليها، فلم تتزحزح أو تترنح رغم الرياح التي هبت عليها مرات ومرات على مر السنين.
وشخصية جاسم القطامي لا تقاس فقط بتوليه المناصب العليا والزهد فيها في مقابل المبدأ كوكيل لوزارة الخارجية أو كمدير للشرطة أو كنائب في مجلس الأمة، نعم كان موقفاً شهماً ورجولياً أن يرفض القطامي ضرب الناس لأنهم تظاهروا من أجل الحرية والديمقراطية، ولكنه في ذات الوقت أعطى درسا أعمق عندما رفع شعار الشرطة في خدمة الشعب بدلاً من الشرطة لضرب الشعب.
وإذ أردنا أن نعطي جاسم القطامي حقه فيجب أن نأخذ شخصيته وزملاء دربه كمسار في تاريخ الكويت السياسي، ومن خلال ذلك الجهد الكبير في تحويل الأفكار والطموحات الديمقراطية إلى عمل ميداني، وترجمتها إلى مؤسسات قائمة على الأرض وبشمولية كانت جداً متميزة ومتقدمة في أيامهم، بل قد تكون حتى الآن.
فالديمقراطية عند جيل جاسم القطامي كانت بناء الدولة المدنية، والدولة المدنية يجب أن تستظل بدستور يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويفصل سلطات الدولة، والديمقراطية تعني المشاركة الشعبية، وبذلك إدخال الناس جميعا في منظومة اتخاذ القرار، وهذه مشاريع شارك ودافع عنها فقيدنا العزيز بكل مراحلها تقريباً.
والديمقراطية لها جناحان هما المؤسسة التشريعية المنتخبة والصحافة الحرة، وهذا ما كان القطامي يدعو إليه حتى تحقق، والديمقراطية كذلك هي احترام رأي الناس وعقولهم وحقوقهم في التعبير بالموقف والكلمة، ولهذا تصدى القطامي لمشروع تأسيس جمعية حقوق الإنسان حتى يضمن للتعددية حقها وللرأي والرأي الآخر احترامه.
ثم جاء القطامي ومن حذا حذوه في الميدان، ومارس دوره كرقيب ومشرع في مجلس الأمة؛ ليجسد ما قاله ورفع شعاره بصدق وأمانة، وهنا أيضاً كان كالجبل الذي لم تهزه الرياح على مدى عقود من الزمن حتى ترك الحياة السياسية وبلغ الثمانين من العمر، وحتى وافته المنية وهو قطامي الخمسينيات لم يتغير ولم يتبدل، مدافعاً عن المبادئ الوطنية وشوكة في خاصرة الفساد والمفسدين في بلدنا.
هذا هو مشروع جاسم القطامي الذي لا يزال قائماً كفكر وأطروحة وتجربة، ورحم الكويت لا يعجز عن ولادة من يصرون عليه ويدافعون عنه ويجسدونه قولاً وعملاً، فهنيئا للوطن إذا خلّف من أمثال المرحوم القطامي.