أقلامهم

خلود الخميس: إما أن يكون كل منا حصاة تحرك المياه الآسنة أو قصعة تتكالب علينا الأمم فنصمت ولا نشتكي

فقه دولة الضعف.. والقصعة!

خلود عبدالله الخميس
ننظر لنهضة الأمة الإسلامية وبعضنا يرتع في التراث وكتب التاريخ. ولا يمثل لهم الإسلام إلا تشريع في مخطوطات مرصوصة فوق أرفف مكتبات خاصة من خشب راقٍ تتزين بمنتصف حوائط المنازل، أو في محفوظات الدولة يحج إليها الحجيج للفرجة والرفاه الثقافي! 
الأمة لتنهض تحتاج للتخطيط لتعرف بأي اتجاه هي تمشي. وما الدرب الذي يجب أن تسلكه. ونحن في القرن الواحد والعشرين. لنعيش إسلام هذا القرن. يجب أن نبدأ من الواقع فننطلق للمستقبل. 
الواقع بكل تناقضاته يؤكد ضعفنا وقوة الآخر. جهلنا وعلم الآخر. تخلفنا وتطور الآخر. فقرنا وغنى الآخر. أميتنا وثقافة الآخر. ظلمنا وعدل الآخر. والحقيقة أننا الحلقة الأضعف. فكيف نبدأ بالنهضة ونتسلم زمام قيادة مشروعنا؟
هل تراءى لكم مرة حصاة صغيرة تُـلقى بنعومة وهدوء في بحيرة فتحدث تموجات على نطاق واسع؟ كل منا يجب أن يؤمن أنه هذه الحصاة وقادر على إحداث تغيير ما، ولكن ذلك يتطلب نبذ فكر انتظار المخلّص الخارجي. واتباع سنن الله الكونية لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. فالتغيير يبدأ من الأفراد ومجموع الأفراد يشكل الأمة. والواقع أنه لا يوجد قائد واحد للأمة بمفهوم الخليفة. وأمتنا موزعة على دول وتختلف الأنظمة والمصالح والأهداف وطبائع الشعوب. فمن أين ننطلق إذاً؟ 
أرى أن لو كل منا اتخذ منهجية التغيير باتجاه النهضة بتحويل نقاط ضعفنا. المذكورة أعلاه. إلى قوة كل في مكانه. لتكرست عادة الإنتاج والإنجاز. ولأزاح التطبيق التنظير في الدين. وصرنا قرآناً يمشي فوق الأرض.
إن البركة التي حفّت تحقيق الأهداف في بداية الدعوة المحمدية كانت تعتمد على الخيرية في الأفراد. ولا نزال نتبرك بالماضي وبالصحابة وبالتابعين ولم نبلغ بعد جزءا من سلامة صدورهم حتى نتأهل للمقارنة أو التشبث بالمنهج الذي كانوا عليه؛ لأننا أضعف منهم من الداخل فانعكس الضعف على الخارج. والنتيجة خذلان شامل بيّن. 
ثم إننا ننادي بنهضة. بنمطية تفكير أحادية. إننا نرى. مثلاً. أن أميركا الشيطان الأكبر، بينما نحن أعداء أنفسنا بسوء فهمنا لفقه دولة الضعف الذي يختلف تماماً عنه في دولة القوة.
نحن كشعوب وأمة إسلامية نتحمل مسؤولية عزلتنا عن الشعب الأميركي وقلة تواصلنا معه واعتباره في صف واحد مع الإدارة والنظرة إليه نظرة بتصنيف متطرف فجعلناه إما عدوا كله أو صديقا كله!
بينما الشعب الأميركي نوع إنساني مجبول على خير الفطرة التي عليها البشر جمعاء، ويكاد يبرأ من إدارته وسياساتها، لم نستثمر في الشعب الذي يحرك الساسة ولم نستخدم الشارع الذي يؤثر على القرار الأميركي. ولم ولم ولم.. وذلك كله يكرس من دولة الضعف عندنا ويعزز من دولة القوة عندهم. ويبقى كل في مكانه حتى تأتي أقوام تغير فتتغير الموازين. 
الله جل وعلا قال في محكم تنزيله عن الإنسان {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} وصفاً لا وصماً بالظلم والجهل. فهاتان خصلتان ذكرهما الله بنا وعلينا أن نرفعهما عنا بالعلم والعدل لا الاحتجاج بالنصوص للركون للنقل. ولا يمكن أن نحقق تغييرا بلا علم وعدل، ولن يحترمنا الآخر ما دمنا نتصنع باباً لسد الذرائع يكاد يكون كعرض الكرة الأرضية متجاهلين أن التوقعات من الفقيه أن يعطي بدائل للحرام، لا أن يحرم الحلال تورعاً، ويفرض فضائل الأعمال على العامة تحجيراً وتشدداً. 
ولو لدينا فقه واقع الدولة الضعيفة لتعاملنا مع أميركا كصاحبة القوة في هذا العصر، ونحن أصحاب حق، ولنصرة الحق يجب أن نعرف كيف نوظف هذه القوة لصالحه عبر تفعيل التحالفات بالمفهوم الإسلامي.
فعند صلح الحديبية كان ضمن الاشتراطات النصرة لأعضاء الحلف وهو بين النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وكفار «خزاعة»، فنقض كفار قريش الحلف بالاعتداء على نفر من خزاعة أي المتضرر كافر والمعتدي كافر، ولأن المعتدى عليهم ذوو عهد مع النبي فسير الجيوش المسلمة دفاعاً عن العهد، وشاء الله أن يكون ذلك النقض سبباً لفتح مكة.  
أيضاً في وقتنا الحاضر هناك نموذج الأتراك الذين فهموا المقصد من سياسة الأحلاف الإسلامية، وما حلفها مع الناتو الحليف أيضاً لإسرائيل إلا دليل. تركيا دولة إسلام وتطبق السياسة الشرعية للقرن الحادي والعشرين، وما أعرفه شخصياً أن أردوجان استفاد من براجماتية الفكر الإسلامي في الحياة مع الحفاظ على الثوابت. وهذا سر صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. فالله جل وعلا أنزل الكتاب بالخطوط العريضة وترك لنا التطبيق الذي يحافظ على تلك الصلاحية والبريق فماذا فعلنا؟ 
بدلاً من أن نكون كالشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، متجددة تؤتي أكلها كل حين جعل البعض هذا الدين في قالب واحد جامد فصرنا كما قال الله {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}.
اليوم نحن أمام تحدٍّ لا مرد منه للوراء كأفراد إما أن يكون كل منا حصاة تحرك المياه الآسنة، وكدول أن نفعّل التحالفات بالمفهوم الشرعي، أم نقبل أن نكون قصعة تتكالب علينا الأمم ونصمت ولا نشتكي!