أقلامهم

لمى العثمان: الإمارة الدستورية هي مطالبة مشروعة وملحة لأنها تطور طبيعي للمجتمعات الحية

الإمارة الدستورية… والمشيخات
لمى فريد العثمان
مللنا الأسطوانات المشروخة والاتهامات المضللة… فبالأمس اتهمنا بعدم المشاركة في الحراك ضد حكومة الفساد، وهي تهمة كاذبة لأننا شاركنا كتجمع مؤقت تحت شعار “أمثل نفسي”، وقبلها مع القوى المدنية كالمنبر والتحالف.
واليوم نتهم بالسلبية تجاه مطالب الإمارة الدستورية، وهي أيضاً تهمة باطلة وجهل مركب بدعوتنا ودعوة غيرنا مراراً وتكراراً إلى ضرورة ترميم بنيان الديمقراطية الكويتية الآيل للسقوط قبل أن يتهاوى على رؤوسنا، وهو نظام متهالك لا شبيه له في العالم.
ومللنا الاجترار والتكرار بضرورة استكمال المشروع الديمقراطي وفتح أبوابه الموصدة لتجاوز الانسداد السياسي… وطالبنا قبل رحيل حكومة ناصر المحمد بالتوجه نحو الإمارة الدستورية واستكمال متطلباتها… وكثر علينا اللوم من الجانب الآخر لوقوفنا في ساحة الإرادة الذي ساهم حسب رأيهم في نجاح الأصوليين في الوصول للمجلس.
من حقنا اليوم أن نفند هذه المواقف ونضع النقاط على الحروف، فالشعار الذي رفعناه في ساحة الإرادة كان واضحاً وصريحاً أردنا من خلاله إيصال صوتنا بأننا ضد حكومة الإيداعات المليونية التي باعت الكويت، وطالبنا بمحاسبتها ورحيلها، كما أننا ضد دعاة الدولة الدينية وخريجي الفرعيات من النواب، فكلا الخندقين لا يمثلنا، ورفعنا لافتات تحدد مطالبنا بوضوح، أهمها تفعيل الفصل بين السلطات وسيادة القانون، وتعديل القوانين غير الدستورية، وإقرار قانون مكافحة الفساد.
ولا مناص من الاعتراف بأن صوتنا كان ضعيفاً وسط صراخ الشعارات والدعايات الانتخابية، التي وصل من خلالها الأغلبية، التي لا تمت أفكارها للدولة المدنية بصلة، لتعلن حين التأم شملها بعد الانتخابات مباشرة تبني أولى قضاياها، وهي تعديل المادة الثانية والتحول للدولة الدينية، لتدوس بأقدامها على الشعارات التي رفعتها كالمطالبة بالمزيد من الديمقراطية.
وبعد أن فشلت في تعديل المادة الثانية توجهت نحو تعديل المادة 79 التي استنزف النقاش حولها الكثير من الوقت والطاقات التي كان من المفروض توظيفها باتجاه العناوين والشعارات التي رفعتها ودغدغت بها مشاعر الناس كإقرار قانون مكافحة الفساد كأولى الأولويات. إذن كيف تريدنا اليوم أن نصدق شعارات الإمارة الدستورية، وهي التي أهملت تشريع آلياتها وأضاعت وقت الجلسات بسفاسف الأمور؟ وكيف تريدنا أن نصدقها اليوم وهي التي سعت لتعديل الدستور بما ينسف ما اشترط عليه “لمزيد من الحريات” بدلاً من إحياء نصوصه الهامدة المعلقة وتفعيل دوره كحام للحقوق والحريات؟ وكيف نصدق زيف ادعاءاتها في ازدواجية مواقفها الفاقعة في وقوفها مع المشيخة في البحرين ضد المطالبات المشروعة بالإمارة الدستورية، بينما تطالب بها في الكويت!
الإمارة الدستورية هي مطالبة مشروعة وملحة لأنها تطور طبيعي للمجتمعات الحية، ولأنها السبيل لمعالجة عقم ديمقراطية المشيخة الكويتية التي تشتري الولاءات والتحالفات… والتحول الحقيقي لها سيعالج سبب اختلال واعتلال الديمقراطية الكويتية، وهو تعليق ما نص عليه الدستور من أن “الأمة مصدر السلطات جميعاً” إلى حين. لكن تطبيق الشعار دون ضمانات التحول الديمقراطي سيستبدل تلك المشيخة بالمشيخات المذهبية والطائفية والفئوية والقبلية، وسيستبدل التسلط والاحتكار والتضييق على الحريات السياسية بقوانين الإعدام والحشمة والتضييق على الحريات الاجتماعية… والميدان كشف وعرى حميدان، لتتجسد النظرية التي تقول إن الديمقراطية التي تنشأ دون دعائم الحريات السياسية والاجتماعية (التي لا تتجزأ) تؤدي إلى الفاشية والديمقراطية المتعصبة. وها هم حين تمكنوا انقضوا على أسس الديمقراطية ليفصلوها حسب قياسهم كما فعلوا، بإعادة إنتاج أنواع المشيخات الأخرى التي لا تستقيم معها الديمقراطية الحقة.
وها هو الأمل يتجدد بحراك المنبر والتحالف في صياغة ضمانات وشروط التحول للإمارة الدستورية، داعين القوى السياسية المشاركة في مؤتمر وطني للخروج بورقة إصلاحات سعياً لاستكمال شروط الديمقراطية، بما يضمن الوصول التدريجي الى نظام الحكومة البرلمانية كإقرار قوانين استقلالية القضاء، وحق المواطنين في التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية، وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، وإطلاق حرية قيام التنظيمات السياسية، وإطلاق حرية الرأي والتعبد، وإنشاء هيئة مكافحة الفساد، وإقرار كشف الذمة المالية، وتجريم خطاب الكراهية، وتقييم تجربة الدوائر الانتخابية.
أتمنى أن تتفق القوى السياسية على هذه المطالب ليسود الدستور بدلاً من المشيخة.