أقلامهم

إيمان البداح: علام نتّحد؟ ومن منا مواطن صالح بما تعني الكلمة تماماً؟

وهم الوحدة الوطنية
إيمان علي البداح
يغتصب مصطلح الوحدة الوطنية يومياً على يد الساسة والإعلاميين وحتى الأكاديميين دون خجل أو تحفظ، فالوحدة الوطنية شعارٌ للفوضى السياسية، وغطاءٌ للتعسف والعنف ضد الآخر، و”بعبعٌ” نرعب فيه من يفكر خارج القطيع، وستارٌ للتعصب والعنصرية والخوف من الآخر.
فنجدها مبرراً لحل المجلس، كما هي مبرر للخروج إلى الشارع والتعدي على القانون وخلط السلطات في آن واحد… كل ينتهك المصطلح لغرض ما دون التوقف ولو لبرهة لتعريفه أو تفهم تبعاته، بل العكس، كلما زاد غموض المصطلح حسن استغلاله.
ومفهوم الوحدة الوطنية مكونٌ من مصطلحين مهمين: الأول، “الوحدة” يتطلب الاتحاد. والثاني، “الوطنية” يُعنى بالشعور والالتزام بالمواطنة.
فعلام نتّحد؟ ومن منا مواطن صالح بما تعني الكلمة تماماً؟
الاتحاد يتطلب اتفاقاً عاماً على برنامج أو خطة أو مشروع، فماذا يوحدنا ككويتيين؟ فالتجار يسعون إلى الحرية الاقتصادية، والإسلاميون السنّة لتطبيق الشريعة، بينما يسعى نظراؤهم الشيعة إلى الحرية الدينية بمفهومهم، ويعمل الليبرالي للحريات العامة بمفهومه الخاص، أما القبليون فيسعون إلى سلطات تتناسب وحجمهم الاجتماعي، في حين يسعى السذّج من الحضر إلى حماية أنفسهم ومصالحهم في ظل تغير التشكيلة الاجتماعية، ولن أتحدث عن الحكم؛ لأنني حتى هذه اللحظة أجهل خطة الأسرة أو ما تسعى إليه.
فعلام نتحد؟ كيف ندَّعي أي صورة من صور الوحدة في ظل تضارب المصالح والأولويات والأجندات؟ وهل نستغرب في ظل هذا التباين في المصالح التناحر الطائفي أو القبلي أو الطبقي أو الفكري الحاد؟
والمفهوم العام للمواطنة معوق أيضا، فينحصر في الاحتفالات الوطنية الشكلية والفخر الفارغ الذي يدفع البعض إلى حد الغرور والعنجهية في التعامل مع غير الكويتي بشكل غير إنساني.
كما نتذكر أننا مواطنون فقط حين نطالب بحقوقنا، وحين نستهلك ونستغل ونخرب مرافق وخدمات الدولة… ونتناسى أن المواطنة الحقة واجب ومسؤولية تتطلب المساهمة في البناء واحترام العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة متمثلاً بدستورها وأنظمتها. المواطنة الحقيقية تحتاج إلى نظم متكاملة لزراعتها، تبدأ بالتربية والتعليم، وتنتهي بتطبيق التشريعات وتطوير أساليب إدارة خدمات الدولة لخلق وتدعيم الشعور العام بالمسؤولية والمساهمة.
نعم… نحن بأمسّ الحاجة إلى الوحدة الوطنية لإعادة بناء هذا الوطن تماماً كما فعلت من قبلنا اليابان أو ماليزيا أو سنغافورة وغيرها من البلدان التي خلقت طفرة وطنية نوعية، وهذه الوحدة الوطنية لا تأتي بالعقوبات والقوانين السطحية، إنما بمشروع إنقاذ وطني واضح، يجد فيه السنّي والشيعي والبدوي والحضري والغني والفقير مصالحهم، ويجدون فائدة مباشرة من العمل معاً من أجل تحقيقه.
فقط في ظل أهداف مشتركة واضحة سنرى الوحدة التي نسعى إليها تماما كما رأيناها أيام الغزو، فهل نحن حقاً بحاجة إلى غزو جديد لنتحد؟!