أقلامهم

المانع: يا وزير الداخلية، نقولها مرة أخرى: «البدون بشر»، والتظاهر السلمي حق

البدون «بشر».. يا وزير الداخلية 
د. سامي عبدالعزيز المانع
البدون محسوبون من البشر على ما أعتقد، وتلك حقيقة من الواضح أن الكثيرين لا يؤمنون بها، كقيادات وزارة الداخلية، التي تعاملت بجلافة وقسوة وفظاظة مع تظاهرة «البدون» السلمية في تيماء، ظناً منهم أن الحل في القمع، وفاتهم أن العنف لا يولّد إلا العنف، والقمع لا يحل مشكلة، إنما يفاقمها ويعقدها، فمتى تتعلمون؟
الدولة تسببت بالمشكلة، وأهملتها عقودا من الزمن، وعندما ادعت أنها تريد أن «تكحلها عمتها»، ولكنها- الدولة- تعرف كيف تجنس مغنية وممثلا ومهرجا وسائق «شيخ»، وطباخ «وزير» أطباقه شهية، ورجل دين يصدر فتاوى حسب طلب السلطة، تحت بند الأعمال الجليلة، وتعجز عن تجنيس من يستحق من فئة «غير محددي الجنسية»، فمنهم من استشهد في سبيل الكويت، ومن استشهد في حادثة تفجير موكب الأمير، ومن شارك في جميع الحروب، ولم يكن ذلك من الأعمال الجليلة، ولم تشفع الدماء -وهي أغلى ما يملك الإنسان- لحصول هؤلاء المظلومين على ما حصل عليه المهرج أو الطباخ، رغم أنهم قدموا ما لم يقدمه «شيوخ» لهذا البلد.
الظلم أسرع طريق إلى التعجيل بالنقمة وتبديل النعمة، ويبدو أنه من المهم أن نعرف المعنى العميق لكلمة «إنسان»، لنستطيع أن نتعامل مع كل البشر وأي بشر. والبدون بشر تعامل معهم وزير الداخلية على أنهم شيء آخر غير ذلك، من باب: «أبوي ما يقدر إلا على أمي»، ومن مبدأ الاستقواء على الضعيف، وباتت وزارة الداخلية في قضية البدون، بدون إنسانية. ومن يعتقد أن البدون قد أخطأوا التصرف، فإننا نعتقد أن كل القنوات الشرعية قد استهلكت واستنفدت، وكل الوعود قد أخلفت، ولم يتبق غير التظاهر السلمي والشارع.
وللوقوف على حل تلك المأساة، يجب تلمّس الحالة الشعورية لتلك الفئة المظلومة أولاً، ومن ثم تقسيمها لشرائح، ومنح الجنسية لمن يستحق، والحقوق المدنية لمن يحتاج إليها، وتسفير البقية لأوطانهم على أول طيارة معززين مكرمين، ونحن على يقين بأن القائمين على هذه القضية يملكون أدق التفاصيل مما يمكنهم من إنهاء هذه المأساة، ولعل عامل الوقت هو الأهم في تلك المعضلة، فما هو موجود على الأرض مخالف للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها دولة الكويت.
ويا وزير الداخلية، نقولها مرة أخرى: «البدون بشر»، والتظاهر السلمي حق، ويا أصحاب القرار، لخير هذا البلد انتفضوا لعلاج هذا الصداع المزمن، وكل دقيقة تأخير تعقد الأمر أكثر وأكثر، ويا غلاظ القلوب ومرضى النفوس، لا تحشروا أنوفكم في هذه القضية، فالمسألة ليست بحاجة إلى حب أو كره أو تعنصر، إنما إلى عقول نيرة ونفوس نقية، ويا من تستحقون من بدون الكويت «أعانكم الله» على ما أنتم فيه، وسامحونا.
مع تمنياتنا للكويت بالشفاء العاجل.