أقلامهم

حسن جوهر: إثارة قضية الصوت الواحد أو الصوتين في رأيي لا يتعدى كونه “إعزيزو” سياسياً جديداً لإلهاء الأغلبية

إعزيزو الصوتين!
د. حسن عبدالله جوهر
من أهم الضرورات التي يجب أن تبنى عليها أي مقترحات مستقبلية في تقسيمة الدوائر هو خلق ثقافة سياسية جديدة أمام الناخب قائمة على فحوى الخطاب السياسي للمرشح ورؤيته الفعلية في كيفية إدارة شؤون البلد، لا من خلال الـ«إعزيزو وعمايله»!
شخصياً أستبعد أي تغيير في الدوائر الانتخابية أو عدد الأصوات رغم أجواء الصخب الإعلامي والسياسي الذي تشهده الساحة الكويتيية، لأن مثل هذا الطرح لا ينسجم في موضوعه أو توقيته مع المنطق والحصافة السياسية ولا حتى كرؤية استراتيجية لإدارة شؤون البلد.
وإثارة قضية الصوت الواحد أو الصوتين في رأيي لا يتعدى كونه “إعزيزو” سياسياً جديداً لإلهاء الأغلبية النيابية المبطلة بحكم المحكمة الدستورية بعدما علا صوتها واستعداداتها للانتخابات تحت شعارات كبيرة؛ مثل الإمارة الدستورية والحكومة الشعبية، ونجح هذا الـ”إعزيزو” في إرباك الأغلبية وإشغالها، بل حتى في تفكيكها بعض الشيء.
وحتى لو كان التلاعب بالنظام الانتخابي مستبعداً، يظل هذا الاحتمال قائماً ولو كبصيص أمل لإمبراطورية النفوذ التي دنا زوالها، والتي سوف تقاتل من أجل ذلك حتى الرمق الأخير، وهنا أجد لزاماً التعليق على مخاطر هذه التجربة، وأولها أنها تمثل ردة وانتكاسة لمفهوم المشاركة الشعبية التي يفترض أنها تتسع مع الوقت، لا أن تتراجع وتضيق.
وإذا كان البعض يعيب على النظام الانتخابي الحالي بأنه كرّس الطائفية والقلبية والفئوية، وهو أمر لا يمكن إنكاره، فإن الصوتين في الدوائر الخمس الحالية سوف تعمّق هذه الآفات أكثر وأكثر، فتزيد الطائفية ويتم التمسك بالقبلية، وتزداد العصبية الفئوية.
أضف إلى ذلك إذا كان المقصود بهذا التعديل هو إضعاف كتلة الأغلبية تحت قناع نصرة القبائل الصغيرة في الدائرتين الرابعة والخامسة فهذا وهم سخيف، حيث إن حس المعارضة في هذه المناطق تشمل مختلف الفئات الشعبية ومنها القبائل، وإفرازات الانتخابات الأخيرة كانت خير مثال كنسبة وتناسب، حيث إن الأصوات التي حصل عليها المرشحون من كل القبائل من المؤيدين لفكر الأغلبية كانت أضعاف إخوانهم من نفس القبيلة، وفي ذات الدائرة.
من ناحية أخرى فإن تلقيص عدد الأصوات للناخب هو إعطاء صك الشرعية والضوء الأخضر لشراء الأصوات، حيث إن النجاح قد لا يتجاوز ألفي صوت، وهذا ما يسعى إليه أصحاب النفوذ وتجار المال السياسي.
أما المجازفة الخطيرة التي قد تقع فيها السلطة في حال قبول مشورة بطانة السوء واقتراحات المستشارين المفلسين، فتكمن في حالة وصول أغلبية برلمانية جديدة لمجلس الأمة رغم التلاعب بالنظام الانتخابي، وفي هذه الحالة كيف تكون ردة فعل المطالبات السياسية ذات الوزن الثقيل؟!
ولست أروّج هنا لبديل الدائرة الواحدة، رغم أنني من مقدمي عدة قوانين في هذا الشأن منذ عام 1996 حتى 2009، ولكن هذا المقترح استحسنه صاحب السمو الأمير كما تبنته مجاميع من نواب القبائل والتيارات السياسية بأنواعها الإسلامية والوطنية والنواب الشيعة والنواب المستقلين وحتى المحسوبين على الحكومة، بل جدّد تقديمه في مجلس الأمة 2012 الأخ محمد الصقر، ومع ذلك فإن مثل هذا المشروع يجب أن يبحث ويناقش في ظل مجلس قائم وحكومة مستقرة وليس حسب مزاج من لا يعجبه الآخرون، ومن أهم الضرورات التي يجب أن تبنى عليها أي مقترحات مستقبلية في تقسيمة الدوائر هو خلق ثقافة سياسية جديدة أمام الناخب قائمة على فحوى الخطاب السياسي للمرشح ورؤيته الفعلية في كيفية إدارة شؤون البلد، لا من خلال الـ”إعزيزو وعمايله”!!