أقلامهم

أفراح الهندال: ليس أكثر دليلًا على أن قضية البدون “خارج الحسبة”؛ إلا هذه الحوارات اليومية التي ارتطم بها حول جهل الكثير بحقيقة المشكلة

جولة في ربوع البدون !
أفراح الهندال
من المهم التنبيه إلى التشويه المتعمد الذي يحاول النيل من قضية البدون، والأهم التعريف بها بالشكل الإنساني والقانوني وقريبا من أصحاب القضية أنفسهم، ولو عبر رحلة في “ربوع” الكويت تستكشف تلك المناطق التي أغلقنا عليها “ملء جفوننا” تاركين الخلق “يسهر جرّاها ويختصم”، في تيماء والصليبية، والأحمدي وجليب الشيوخ، وبقية الأشتات التي انضم إليها أخيراً سكراب أمغرة، حيث يعيش الشاب البدون المعاق “جاسم”!
ألّا تتألم لمرأى هذه المناطق الأقرب إلى صورة عشوائيات الدول الفقيرة، ألّا يهزك بؤس الشيوخ والعجائز الذين يحاولون التكيف مع صورة الماضي المرغمين على معايشتها، ألّا تنفر من صورة الأطفال وهم يرتجلون العمر ركضاً دون أن يواجهوا سببا لفرحة، ألّا تنهض وتسعى من أجل حقوق هؤلاء أو تشارك في دعمك، فعليك علاج إنسانيتك قبل أن تفزع الآخرين بدمامتها!
شواهد بائسة حية على مدار الساعة لمن يريد دوراً حقيقيا لضميره من خلال قضيةٍ “هنا”، قريبة منه يمكنه معرفتها وإدراك تفاصيلها ببساطة ليحدد موقفه، تضاف إلى تعاطفه الإنساني مع القضايا العالمية، ولو بإشارة في “فهرس” القوانين، أو صورة توضيحية للإنسانية، أو مرجع إضافي للتاريخ.
وليس أكثر دليلا على أن قضية البدون “خارج الحسبة”؛ إلا هذه الحوارات اليومية التي أسمعها وأقرؤها وأرتطم بها حول جهل الكثير بحقيقة المشكلة؛ أفاجأ بين فترة وأخرى بمن لا يعرف شيئا عنها وعن تفاصيلها وواقعها، وعدد ضحاياها، وتجرعهم اليوميّ لمرارتها.
ولا شيء “يفاجعني” أكثر إلا المجموعة التي لا تحمل عن “البدون” إلا تعريفا ساذجا يستكمل تشكله ككرة ثلج ضخمة تكبر كلما تشدّق أحدهم بآرائه حول أماكن ظهور “البدون”، وأسلوب حياتهم وطقوسهم، ولغتهم، ومناطق تكونهم، ومواد تغذيتهم (…) وتفاصيل غريبة أخرى، تتقمص دور الخبرة في الأصول العرقية والأنثروبولوجيا والبيولوجيا والتشريح البشري… بـ”مستوىً عالٍ”، وكأن المجتمع يقيم مسابقة لمنصب حامي حمى العرق الكويتي الأصيل!
لست مع المجموعة التي جاءت تحمل دلاء النفط معها، كما يؤكد أولئك، ولست في معرض تكذيب خبراتهم الفذة، ولكنني مع البسطاء الذين لم يتهافتوا على المدينة وتأخروا عن استبدال الأرز والملح بالأصواف والألبان والأشياء البسيطة التي يملكون، ففاتهم تصديق ورقة… تلك الورقة التي أوقفتهم على حدود التاريخ، وقرب أسوار المدارس، وشبابيك تصديق المواليد والوفيات المغلقة، وعلى أرصفة تحتضن الإنسانية صفا بصف بضاعة رخيصة تستجدي المعوزين لها، وفي السجون بتهمة اقتراف الحلم بالكرامة والحقوق والحرية!
***
أتابع بكل فخر واعتزاز “مجموعة 29? المنطلقة باسم (المادة 29) من الدستور، التي تنص على أن “الناس سواسية ومتساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين”، والتي تضم: د. إقبال العثيمين، ود. رنا العبدالرزاق، ود. ابتهال الخطيب ود. شيخة المحارب، والكاتبة لمى العثمان، ورنا الخالد ومنى العبدالرزاق، والتي سجلت مثالا رائعا للحراك الإنساني الحقيقي يضاف إلى سجل السابقين المخلصين في هذا المجال.
وما يميز المجموعة تركيزها على خطة عملية واقعية أكثر إمكانية للتنفيذ العاجل، والتي تبدأ بالأولويات المقدور عليها؛ كالتعريف بالمبدعين البدون والإشارة إلى أهمية دورهم، إضافة إلى الندوات والأمسيات الثقافية.
وحاليا الاعتصام الجاد المستمر ابتداء من الأسبوع الفائت للمطالبة بحقوق الطلبة المتفوقين من البدون بالتعليم، يوميا قرب صالة التسجيل والقبول في جامعة الكويت، وغيرها من الإنجازات المدروسة والتي نلمح حصادها القريب، ومثل هذا ما نحتاج فعلا.
لعل هذا النقل “الحي” للواقع من حولنا يساهم في جعل المغيبين يدركون فظاعة الوضع وفداحة هذه المأساة الإنسانية!