أقلامهم

سليمان الخضاري: القلق عندما يصيب أحدنا فإننا نستمد شيئا من التماسك ممن هم حولنا لكي نستمد شيئا من السكينة والطمأنينة

فكر وسياسة / عندما يصاب مجتمع كامل … بالقلق!
 
د. سليمان الخضاري
في مدينة تورونتو الكندية، تدربنا لمدة خمس سنوات في مجال الطب النفسي على تشخيص جملة من الأمراض النفسية، ومنها القلق والاكتئاب والفصام، وغيرها، وللأمانة فإن تدريبنا كان من الجدية والصرامة والاتقان بحيث أصبحنا، وبلا خيار منا بالضرورة، قادرين على تشخيص هذه الأمراض بكفاءة معقولة وبنسبة خطأ صغيرة نوعا ما، وبعد عودتنا للكويت، تصورنا أن جل ما سنتعامل معه هو الأمراض النفسية للأفراد، كما هو الحال في كندا وغيرها، إلا أن ما فوجئنا به هو أننا عدنا لنواجه مجتمعا مصابا بأكمله… بالقلق!
لا أقصد الإهانة لأفراد هذا المجتمع أو التعالي عليه، إذ انني في النهاية جزء منه ومنه ابتدأت وإليه سأنتهي، إلا أنني أرى من الواجب علي مواجهة مجتمعي بما أراه من إشكالات وأزمات، كنوع من رد الجميل على الأقل، فمجابهة المشاكل، كما يعرف الجميع، هي الخطوة الأولى لحلها.
هو فعلا مجتمع مصاب بالقلق، دع عنك أي مشكلة نفسية أخرى، كالفصام مثلا والذي سنفرغ له مقالا بمفرده، بل وأسوأ أنواع القلق قاطبة، إنه القلق الوجودي، وهو الشعور الذي يصف الحيرة من الواقع وموقع الفرد أو الجماعة مما يحصل حوله، مع حالة من الخوف العميق من مستقبل مجهول يغلب على تصوره التشاؤم والسلبية.
هو مجتمع يعاني بالفعل من قلق، القلق من الحاضر والقلق من المستقبل، ومنبع هذا النوع من القلق الجماعي هو عدم وضوح الرؤية في ما يخص اللحظة الراهنة وخياراتها، وعدم الاتفاق على مرجعية واحدة أو قيمة محسوسة واحدة تنطلق منها أي مقاربة لفهم الحاضر، وكما تتمظهر اضطرابات القلق أحيانا بنوبات من الهلع المريع المصحوب بأعراض جسمانية متعددة كتسارع نبضات القلب ومعدلات التنفس واضطراب الجهاز الهضمي وغيره، فمجتمعنا أيضا له من نوبات الهلع والهستيريا التي تتصاعد فيها موجات الكراهية والمشاحنة الطائفية والعنصرية ثم تخفت، وهي نوبات لا تمثل في جوهرها إلا تعبيرا عن رغبتنا في فرض إجابة معينة، غبية غالبا، لكل هذا الهلع الاجتماعي وعدم اليقين بالمستقبل الذي نعاني منه جميعا!
الفرق الأكبر والأخطر بين القلق المجتمعي، وذاك القلق الذي يصيب الأفراد، هو أن القلق عندما يصيب أحدنا فإننا نستمد شيئا من التماسك ممن هم حولنا لكي نستمد شيئا من السكينة والطمأنينة…
ولكن القلق عندما يصيب مجتمعا كاملا… لا تجد حولك إلا مصابين بالداء نفسه… وما من معين عندها إلا الله… وتدخل القدر!