أقلامهم

أحمد الديين: السلطة لم تعد هي اللاعب الوحيد، مثلما كان الوضع سابقا.

ليست مجرد مقاطعة للانتخابات!
كتب أحمد الديين
 
من بين أهم الخيارات المطروحة للتعامل مع العبث السلطوي المرجح في النظام الانتخابي القائم خيار مقاطعة الانتخابات… والمقاطعة أسلوب احتجاجي متّبع في العديد من بلدان العالم، وآخرها إعلان جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة احتجاجا على النظام الانتخابي الجديد, كما سبق لنا في الكويت أن شهدنا في العام 1990 قبيل الاحتلال حملة شعبية لمقاطعة انتخابات أعضاء ما كان يُسمى “المجلس الوطني” غير الدستوري.
وبالطبع فإنّه من الوهم افتراض أنّ مقاطعة الانتخابات عبر الامتناع عن الترشيح فيها ودعوة الناخبين إلى عدم المشاركة في التصويت ستكون شاملة، إذ إنّ هناك دوما العديد من المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات، تحت هذا المبرر أو ذاك، كما أنّه بالضرورة فإنّ هناك جمهورا انتخابيا سيشارك في التصويت وإن كان بنسبة أقل… ولكن في المقابل فإنّه من الخطأ الاستناد إلى مقياس عدم إمكانية تحقق المقاطعة الشاملة للترشيح والتصويت للقول بفشل أسلوب مقاطعة الانتخابات وانعدام أثره السياسي… ذلك أنّ الأهم هو البعد السياسي للمقاطعة والوضع الناجم عنها، فهي تعني انسداد أفق العمل البرلماني، وبالتالي فتح المجال أمام مسارات أخرى للصراع السياسي بين قوى المعارضة والسلطة، بحيث يصبح مثل هذا الصراع صراعا مباشرا مكشوفا لا تستره الحجب؛ ولا تغطيه الأوهام؛ ولا تنظمه الإجراءات؛ ولا تحكمه الضوابط المعتادة.
والمفارقة الغربية، أنّه في الوقت الذي أصبح فيه واضحا أنّ سقف المطالب السياسية قد ارتفع لدى العديد من القوى السياسية والحركات الشبابية، بل لدى قطاعات أوسع من الشعب الكويتي، وهذا ما تمثّل في المطالبات المطروحة لتحقيق النظام البرلماني الكامل؛ والإمارة الدستورية؛ والحكومة الشعبية المنتخبة؛ وإشهار الهيئات السياسية؛ والدائرة الانتخابية الواحدة والقوائم والتمثيل النسبي، وغير ذلك من عناوين الإصلاح السياسي الديمقراطي التي لم تكن مطروحة قبل سنوات قليلة، بل لم تكن مطروحة بهذا الوضوح قبيل أشهر معدودات، بينما السلطة في هذا الوقت تحديدا تتجه نحو العبث بالنظام الانتخابي عبر تغيير الدوائر أو تقليص عدد الأصوات، وهو ما يمثّل عملا استفزازيا صارخا سيقود بالضرورة إلى تفاقم الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد وتصعيد الصراع مع السلطة إلى مستويات غير مسبوقة!
ولعلّه ليس هناك سوى ثلاثة تفسيرات لمحاولة فهم حقيقة دوافع السلطة للعبث بالنظام الانتخابي في مثل هذا الوقت وهذه الأوضاع… فإما أن يكون الأمر مجرد محاولة وقتية لإلهاء الشعب والقوى السياسية وذلك بحصر الاهتمام في نطاق النظام الانتخابي والابتعاد عن طرح مطالب الإصلاح السياسي، أو أنّ السلطة تتخبّط بعيدا عن الواقع وعن المنطق السليم لمسار الأمور، ولذلك فإنّها ستتراجع عن محاولتها العابثة هذه عندما تدرك حجم التحديات والتعقيدات التي ستواجهها، أو أنّ هناك، وهذا هو الأخطر وإن لم يكن الأرجح، مخططا متعمّدا من أطراف معينة داخل السلطة لجرّ البلاد نحو الدخول في طور جديد من الأزمة والاندفاع إلى مسار مختلف من الصراع قد تترتب عليهما أوضاع مستجدة وتغييرات لاحقة في المواقع داخل السلطة نفسها وكذلك على مستوى المعادلة السياسية القائمة، وهو ما يتطلّب اليقظة والانتباه!
ولكن أيًّا كان الأمر، فإنّ السلطة لم تعد هي اللاعب الوحيد، مثلما كان الوضع سابقا، بل ربما لن تكون هي اللاعب الرئيسي إن أخطأت الحساب والتقدير…!