أقلامهم

أحمد الديين: الواقع الانتخابي مثلما هو الواقع السياسي واقع متحرّك متبدّل

تحديات متوقعة… واحتمالات مفتوحة!
كتب أحمد الديين
 
هناك العديد من التحديات والاستحقاقات التي فرضت وستفرض نفسها على المشهد السياسي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ولعلّه من المفيد محاولة استشرافها والاستعداد للتعامل معها.
 فهناك على المستوى المباشر تحديان، أولهما التحدي المتصل بالتعامل مع مجلس 2009، الذي حاولت بعض الأطراف إطالة عمره، وإن تراجعت مؤخرا الأهمية النسبية لهذا التحدي بعد اتساع حجم المعارضة لعودة ذلك المجلس المرفوض شعبيا واستمراره… ثم يليه التحدي المتصل بالتوجّه السلطوي للعبث في النظام الانتخابي عبر إصدار مرسوم بقانون بعد حلّ مجلس 2009 يقضي إما بزيادة عدد الدوائر الانتخابية؛ أو تقليص عدد الأصوات التي يستطيع الناخب الإدلاء بها من أربعة إلى صوتين فقط؛ أو بالاثنين معا، وذلك للتأثير على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة… وبالتأكيد فإنّ مواجهة هذا التحدي تتطلّب إعلان مواقف رفض واضحة وغير ملتبسة لأي عبث بالنظام الانتخابي قبل إجراء الانتخابات النيابية، لكن المؤسف أنّ بعض الأطراف داخل ما يسمى “كتلة الغالبية” من نواب مجلس 2012 لا تجد غضاضة في حدوث مثل هذا العبث، بل كشف بعضها مسبقا عن استعداده خوض الانتخابات المقبلة حتى وإن قامت السلطة بمثل هذا العبث، وفي المقابل، فإنّ هناك مَنْ يلوّح بشعار مقاطعة الانتخابات، وذلك من دون بحث واقعي لمدى إمكانية نجاح مثل هذه المقاطعة، ومن دون تحضيرات وخطوات تعبئة شعبية لتنفيذها على الأرض.
أما على المستوى القريب فهناك الاستحقاق الانتخابي، وما يترتب عليه من تحديات في حال تجاوز العبث بالنظام الانتخابي، حيث سبق أن راجت تصريحات عن عزم نواب ما يسمى “كتلة الغالبية” في مجلس 2012 خوض الانتخابات في قوائم مشتركة، وهو أمر يصعب تحققه عمليا، وذلك لأسباب تتصل بالطموحات والترتيبات والتحالفات الانتخابية الخاصة بكل طرف على حدة، وأيضا لصعوبة الاتفاق على آلية التصويت لهذه القوائم في ظل نظام التصويت الحالي المحدد بأربعة مرشحين فقط، ناهيك عن صعوبة خوض الانتخابات بقوائم مشتركة على مستوى الدوائر الخمس في ظل تنامي الخلافات التي برزت على السطح، وذلك بعد التباين في المواقف حول سقف الخطاب السياسي ومفرداته بين المنتمين إلى “التجمع السلفي” و”كتلة العدالة” من جهة وأولئك المنتمين إلى “كتلة العمل الشعبي” و”كتلة التنمية والإصلاح” من جهة أخرى… ويضاف إلى ما سبق حدّة التنافس الانتخابي؛ إذ ستخوض الانتخابات أطراف أخرى، سواء أكانت مخالفة لما يسمى “كتلة الغالبية”؛ أم قريبة منها مثل بعض القوى الشبابية أو المجاميع السياسية التي تشكّلت في الفترة الأخيرة… هذا إلى جانب ما يمكن أن يكون عليه المزاج الانتخابي من حيث الإقبال أو الامتناع، وكذلك من حيث شدّة الاستقطابات الفئوية والطائفية والقبلية على حساب ما تبقى من الطابع السياسي المحدود للعملية الانتخابية… وقبل هذا كله تحديات التدخّل السلطوي في الانتخابات، الذي قد يأخذ أشكالا غير مسبوقة!
ويأتي بعد ذلك استحقاق تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات والترشيح لرئاسة مجلس الأمة الجديد، وهنا فليس بالضرورة أن يتكرر ما حدث في فبراير الماضي… إذ إنّ القاعدة الثابتة في الانتخابات وفي الحياة السياسية، إن كانت ثمة قاعدة ثابتة فيها، هي أنّه ليست هناك انتخابات تشبه الانتخابات التي سبقتها أو التي تليها، وأنّ الواقع الانتخابي مثلما هو الواقع السياسي واقع متحرّك متبدّل ربما يمكن استشراف بعض تحدياته واستحقاقاته واتجاهاته مسبقا، ولكن هذا الاستشراف لا يعني إطلاقا القدرة على التنبؤ الأكيد بالنتائج والتحكّم في مسار الأمور وتطوراتها، ولا يمكن استبعاد أي احتمال، فالاحتمالات جميعها مفتوحة!