أقلامهم

جاسم الشمري: على السلطة أن تمد يدها لكل الأطياف والالتقاء بهم واستمزاج رأيهم

التراضي لا الغلبة رؤية متفردة لاستقرار سياسي مأمول
جاسم محمد الشمري
القفز الى خطوات غير مدروسة ربما أثمر نتائج غير محمودة العواقب وهو ما شهدته الكويت خلال ثلاثة عقود بدأت في العام 1980 حينما قفزت السلطة آنذاك الى خيار تعديل الدوائر الانتخابية فزادتها من 10 الى 25 دائرة أسهمت فيما بعد بتفتيت المجتمع الى كانتونات قبلية وطائفية وفئوية زادت حدتها مع مرور الوقت وتأثر الكويت بمحيطها الاقليمي وزيادة النزعة الاقصائية عند كثير من القوى المشتغلة على الساحة المحلية.
هذا القفز تكرر مرة أخرى وانما بقعل الحراك الشعبي حينما مارست السلطة التفافا على رغبة القوى السياسية في علاج المثالب التي خلفها نظام الدوائر الخمسة والعشرين وكان حينها مطروحا العودة الى النظام العشري غير أن ممالأة الحكومة لقوى رافضة للتعديل العشري جعلتها تقف الى خانة هؤلاء ضد مشروعها لتغيير الدوائر بالاستجابة الى طلب عرضه على المحكمة الدستورية ما جعل القوى ذات الحضور الشعبي الواسع الى تجييش قواعدها لرفض هذا الالتفاف وفرض نظام الدوائر الخمس بالأصوات الأربعة وكان قفزا من جانب السلطة على اعتبار أن المخرجات المتوقعة ستكون هي ذاتها في النظام القائم قبلها اذ أن ما حدث لا يعدو كونه تجميعا لكل خمس دوائر مع بعضها البعض وعوض أن يكون هناك تمثيل متوازن لكل مكونات المجتمع باتت الغلبة لفئات بعينها على حساب أخرى ما اخل بالعدالة الاجتماعية لتضاف الى مثالب ذلك النظام مثلبة أخرى.
الآن يعمد مستشارو السلطة الى «الزن» على رأسها للقفز مرة أخرى على حقائق الأرض واعتماد تعديل جديد غير معروف نتائجه وان كانت مؤشراته الأولى توحي بأنه سيكون طوعا للسلطة كما كان ظاهر الخمس والعشرين من قبله قبل أن يفرز لاحقا قوى معارضة وبضراوة لنهج السلطة في الاتفراد بالقرار.
سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك بدا أكثر عقلانية وهو يهمس لي على هامش استقباله لي لاهدائه نسخة عن كتابي التوثيقي «منصة المبارك ديمقراطية تصنع تاريخ» بأن السلطة ستتخذ ما من شأنه تحقيق المصلحة العامة غير أن مفهوم المصلحة هنا فضفاض وبرغم أن القوى السياسية أجمعت على ضرورة تعديل النظام الانتخابي وقدمت مقترحات بذلك كان مأمولا أن ينظرها برلمان 2012 المبطل الا أنها كلها استنفرت طاقاتها لرفض أي تعديل تقوم به السلطة منفردة وهو يأتي ضمن عدم الاطمئنان الى النوايا المتبادل بين الطرفين: السلطة لا تطمئن الى نوايا القوى السياسية وتعتقد أنها تصب في صالح تقليم أظافرها وتقليص صلاحياتها المتاحة لها في الحكم والقوى المعارضة تحمل السلطة مسؤولية الاستجابة الى أطراف لا تريد الخير للدولة وتسعى فقط الى تأمين مصالحها الخاصة وما بين الرؤيتين تظل الكويت في دوامة من الجمود والتراجع وهو ما حدا بسمو الرئيس الى أن يرسم خطا مستقيما الى الحل المأمول للخروج من هذه الدائرة مفاده أن تكون الكويت في ضمير كل مخلص وأن نسمو على المصالح الخاصة لتحقيق ما يعلي من شأن وطننا بعيدا عن الأهواء والصراع غير المجدي.
هذه الرؤية شرحها سموه بأن الحكومة تقف في منطقة وسطى من الجميع ولا تنصر فئة على فئة مستذكرا أن النظام في الكويت يقوم على التوافق الاجتماعي بين أطيافه منذ أن تسلمت أسرة الصباح الحكم فيها وذلك ما سوف يستمر منهاجا للأسرة لن تحيد عنه.
وليردف مستذكرا كيف كانت الطبقة التجارية في بدء تكون الدولة تمول العمل الحكومي مقابل توفير الحماية لها وهو ما كانت الادارة السياسية تفعله بتشغيل مواطنيها من البسطاء والمعوزين في حفظ الأمن وحراسة حدود الدولة الأمر الذي يعكس مقدار الترابط آنذاك بين الكويتيين ودون أن يشكل موقع أي منهم عائقا في اندماجه في المجتمع أو شعوره بأهميته وأهمية ما يقدمه. وقال دون أن يكون ذلك بمثابة حديث رسمي من سموه الا أن أهميته تكمن في مدلولاته الرامية الى تذكير الفئات المتضادة في المجتمع كيف كانت الكويت حينما كان التكافل الاجتماعي شعار أبنائها وكيف أصبحت بعدما صار التخوين والاقصاء سمة الكثيرين منهم ضد معارضيهم في البناء والرؤية، قال ان من كانوا يوصمون بأنهم الفداوية في تلك الفترة كانوا هم أمن الكويت وحماة استقرارها ونواة جيشها وهم من استشهد دفاعا عنها ليخلص من كل ذلك الاستشهاد الى أن النظام يقف مع الجميع ولا يفرق بين انتماء ليبعد هذا أو يقرب ذاك وانما ينظر الى مواطنيه على أنهم سواسية يستحقون كل التقدير والاحترام طالما كان نهجهم مصلحة الدولة ونماء المجتمع ومشددا أيضا على أن النظام ينظر في ذلك كله الى ما يحقق المصلحة العامة وما يحققها سيقر ولن يعيقه عن ذلك أمر أو عقبة.
مضيفا برؤية حازمة : النظام والشعب في الكويت منسجمان غير أن البعض يبحث عن مصلحة خاصة له متناسيا الوطن الذي يستحق منا كل التضحية والعطاء.
غير أن هذه المصلحة، بحسب ما أرى وهو ما لم تتح الفرصة لقوله الى سمو الرئيس في اللقاء العاجل الذي جمعني بسموه، لا يمكن أن تتحقق ان لم تعمل السلطة على مد يدها لكل الأطياف والالتقاء بهم واستمزاج رأيهم وهنا لا نتحدث عن استجابة وخنوع من قبل السلطة للصوت العالي المتمثل في القوى المعارضة وانما لتجسد الرؤية الحكيمة لها في الوقوف على مسطرة واحدة مع كل أطياف هذا المجتمع ولكن بما يجسد رؤة سمو الرئيس للعمل السياسي المحلي غير المسبوق في النظم الديموقراطية حيث اعتادت الديمقراطية على الانتصار لمبدأ الأغلبية الا أن التوافق الاجتماعي الذي قامت عليه الكويت يجعل من غير المقبول الارتكان الى أغلبية بعينها وهو ما يؤكد عليه سموه الذي فضفض أن قناعته وصلت الى أن العمل السياسي في الكويت لن يصفو شأنه الا على مبدأ التوافق لا الغلبة.
ويشرح سموه ذلك بأن لا أغلبية موالية للحكومة ولا أغلبية معارضة لها ستحقق الاستقرار السياسي المأمول في بلدنا حيث أن أغلبية موالية ستجعل الحكومة مطمئنة الى أن لا حسيبا أو رقيبا يتابع عملها فيخفت بذلك أداؤها وتتدنى نسبة الانجاز في عملها في حين أن أغلبية معارضة ستربك خططها وتجعلها في دوامة من أمرها وبالأخص ان ارتبطت هذه المعارضة بشيء من مصالح خاصة لأفرادها ولم يكن منطلقها وطنيا صرفا يتلمس احتياجات الوطن ورغباته.
هذا التوافق الذي يؤسس لعمل سياسي قائم على ديموقراطية مصاغة بنفس محلي صرف يجده سمو الرئيس مرتكنا الى وجود كتل سياسية واعية ومرنة تمكن الحكومة من مد جسور مع هذا الطرف أو ذاك بحسب القضية المثارة وبالتالي قدرتها على الاقناع القائم على شرح وجهة نظرها وتبيان كل الحقائق والمعلومات والتوقعات المرجحة تجاه هذه القضية وتمكنها من كسب أطراف الى صالحها أو تحييد أطراف أخرى بسبب هذه المرونة في الحركة وليس نتاجا الى مقايضات سياسية أو مكاسب آنية تتحقق لهذا الطرف أو ذاك.
وربما حملت رؤية سموه الكثير من النقاط الجديرة بالبحث اذ أن ما ائتلفت عليه أغلبية برلمان 2012 كان في مجملها مشاريع اصلاحية الا أن طغيان روح المجاملة بين أعضائها والرغبة في أن تظل متماسكة جعل أطرافا منها ترضخ موافقة على مشاريع ربما لم تكن ضمن أجندتها السياسية أصلا وهو ما أربك العمل الحكومي حيث كانت الحكومة بمعزل عن امكانية مد جسور مع هذه الكتلة أو تلك بحسب المشاريع المطروحة على ساحة البحث وبالتالي الوصول الى نقاط اتفاق حول كثير منها دون أن تخلف جدلا تشريعيا أو أن يشعر طرف أنه مقص من التأثير السياسي لأن أطرافا تجامل بعضها البعض على حساب الفعل التشريعي والرقابي المتزن والبناء.
الخطاب الاعلامي لن يكون مفيدا للأطراف المتضادة في تلمس نقاط مشتركة بينها من الممكن البناء عليها وبالتالي فان على الأغلبية الحالية والتي ربما لن تكون كذلك في الانتخابات المقبلة ليس بفعل تبديل السلطة للنظام الانتخابي وانما بفعل المزاج العام للناخب الكويتي والظروف الانتخابية المتعلقة بكل انتخابات على حدة وبما لا يمكن تطبيق معايير أحدها على لاحقتها، على هذه الأغلبية مد جسور لها مع السلطة ومحاولة البناء على النقاط المشتركة بين الطرفين اذ أن ايمان السلطة بعدم ملاءمة النظام الانتخابي الحالي لتأسيس واقع سياسي مستقر هو ذات الرؤية التي يحملها نواب أغلبية 2012 الا أن المعالجة ربما اختلفت بين هذا الطرف وذاك وهنا يكمن الفعل السياسي الواعي في اقتناص فرصة التلاقي للبناء عليه بما يحقق المصلحة العامة دون اضرار بمصالح الأطراف المختلفة.