أقلامهم

عبداللطيف الدعيج: عندنا، هناك من يريد ديموقراطية من دون حرية رأي

خمسون قبلياً أم خمسون شيعياً؟
عبداللطيف الدعيج
امس مررنا بعجالة على مطلب الحكومة البرلمانية، واليوم نستعرض مطلب الدائرة الواحدة، والانتخاب لمرشح واحد أو لخمسين مرشحاً في قائمة واحدة. ورغم ان الدائرة الواحدة قائمة على نظام الاحزاب، فلن نناقش مسألة اشهار الاحزاب، فقد أشبعنا ذلك نقاشا. لكن لا يبدو ان احدا يريد ان يستمع، أو ان احدا لديه اهتمام حقيقي بحرية الرأي والتعبير، التي هي الاساس الذي يبنى عليه ليس قيام الاحزاب ونشاطها، بل الحراك وحتى النظام الديموقراطي برمته. لكن عندنا، هناك من يريد ديموقراطية من دون حرية رأي، تماما كما يريد انتخاباً وحكومة برلمانية من دون ديموقراطيين. وتماما كما يريد احزاباً محددة لها بشكل مسبق طروحاتها وخياراتها السياسية والاجتماعية.
في ظل غياب الديموقراطيين، ونقصد المواطن الواعي سياسيا، الملم باركان النظام الذي سينتخب المشرفين عليه. المواطن الذي تمت تربيته على احترام المبادئ الديموقراطية في الحرية والعدالة والمساواة، وتقدير الحقوق الدستورية للاخرين. في ظل غياب أو بالاحرى انعدام مثل هذا المواطن، فان الذي سينتخب، ويحدد نوعية واتجاه الساسة الذين سيحكمون، اي سيشكلون الحكومة البرلمانية، هو الصوت أو المواطن المتعصب قبليا أو طائفيا. وكلما زادت قدرة هذا «الصوت» القبلي أو الطائفي زاد التمثيل القبلي والطائفي في مجلس الأمة المنتخب على هذا الاساس. اي الاساس الطائفي القبلي. وكلما قلت أو حُددت قدرة هذا الصوت المتعصب قل تأثيره، وبالتالي تنوع المجلس المنتخب وتعددت اتجاهاته وانتماءاته.
ليبدو واضحا ما هو غير واضح، فان الذين اقترحوا تقليص التصويت الى صوت أو صوتين، يسعون الى تقليص قدرة التعصب القبلي والطائفي. والذين يطرحون هذه الايام زيادة قدرة هذا الصوت خمسين مرة، اي ان ينتخب خمسين عضوا، فهم في الواقع يسعون، ولا يهم هنا بوعي أو من دونه، يسعون الى زيادة التعصب القبلي والطائفي. زيادة في التوضيح، القبيلة أو الطائفة أو حتى العائلة التي كان لديها القدرة حسب النظام الحالي، لديها القدرة للتصويت لاربعة مرشحين، سيكون لديها القدرة للتصويت لخمسين مرشحا دفعة واحدة. لست مهتما هنا بنجاحهم من عدمه، ولكن بالقدرة والقوة اللتين يوفرهما نظام الدائرة الواحدة للصوت الواحد.
طبعا خطورة الصوت الخمسيني تفترض ان يتوحد الطائفيون أو القبليون ويصوتوا لقائمة واحدة. ورغم الصعوبة الظاهرة لهذا، ولكن ما الذي يمنع حدوثه؟ لماذا لا يكون اتفاق القبائل على اقتسام «الكودة» الانتخابية ممكنا؟ ما الذي يمنع اتحاد القبائل الكبيرة، عوازم، مطران، رشايدة، عجمان مع المتوسطة ايضا مثل عتيبة وهاجر وشمر وعنزة، و«يصوقروا» الخمسين مقعدا بالتمام والكمال؟ ربما فكرة خيالية جدا.. ولكنها ممكنة، خصوصا في ظل ظروف التعصب وانعدام الوعي السياسي وغياب المؤسسات المدنية الاجتماعية.
طبعا المستعجل من اصحاب الاقتراح سيطرح انه سيكون لدينا وعي، وان المواطن سينتخب على اساس «وطني» وليس قبلياً أو طائفياً. والسؤال هنا اولا: الى متى نبقى حقل تجارب؟ وكيف نسلم أمن الوطن واستقراره الى مقامرين ومغامرين يراهنون على وعي غير موجود ولن يكون موجودا الا بعد حين؟ ثانيا: وهذا الاهم، اين الطرح الوطني، وبالذات عند الداعين لنظام الدائرة الواحدة واشهار الاحزاب انفسهم؟! فما نرى ونسمع، طرح ديني مغرق في التدين.. مقابل غياب تام للطرح الديموقراطي أو حتى المدني، مما يعني ان مهمة أصحاب دعوة الدائرة الواحدة الحقيقي وهدفهم هما الاقصاء العملي والفعلي لـ«الشيعة». ورجاء لا تخدعونا بتأييدكم لحسن جوهر، فنحن عرفنا حقيقة موقفكم منه في الصناديق. ولا تمنونا بضم مرشحين شيعة، فليس حاليا بينكم أي منهم. ستكون هناك قائمة سنية مقابل قائمة شيعية، أو قائمة مدنية مقابل قائمة قبلية.. ورجاء ايضا لا تمنونا بتعدد القوائم، لانه في هذه الحالة سيكون الفوز للقائمة الاكثر التزاما. والطائفيون والقبليون هم الاكثر التزاما والاكثر مع الاسف حضورا ايضا، بمعنى ان فوز خمسين شيعيا يبقى ممكنا ان بالفعل اختلف السنة الى قوائم مدنية وقبلية.