أقلامهم

فيصل أبوصليب: الحديث حول تعديل الدوائر، جاء ليضع الغالبية مرة أخرى في المركز الذي تجيد اللعب فيه.

كلمات
إما معارض أو حكومي !
كتب د. فيصل أبوصليب
 
يقولون بأن رب ضارة نافعة، وهو ما حدث بالفعل لكتلة الأغلبية ، التي ربما يعتقد وللوهلة الأولى بأن حكم المحكمة الدستورية الذي أبطل المجلس الأخير قد جاء لغير صالحها، ولكن لو نظرنا إليه من زاوية أخرى، نجد بأنه قد أتى في الوقت المناسب، وقبل أن تفقد الأغلبية ما تحقق لها من رصيد شعبي خلال الحراك السياسي في ساحة الإرادة، فقد كان مسارها خلال الشهور الأولى في المجلس دون مستوى الطموح بكثير. ولا يقول قائل بأنه لم تكن هناك فترة كافية، لأنه كان هناك بالفعل الوقت الكافي لتشريع قانون الحشمة ولم يكن هناك وقت لتشريع قوانين مكافحة الفساد واستقلال القضاء ! وكان هناك وقت لاقتراح تعديل المادة 79 ولم يكن هناك مجال لاقتراح تعديلات الإصلاح السياسي والحكومة المنتخبة ! مئة يوم.. كان عمر المجلس، وهي مدة كانت كافية لإنجاز الكثير مما وعدت به الغالبية، وهي نفس المئة يوم الأولى التي أنجز فيها الرئيس روزفلت خطته الاقتصادية الجديدة التي انتشلت الاقتصاد الأميركي من حالة الكساد الكبير!
لهذا السبب أعتقد بأن الحكم الأخير جاء في صالح الغالبية ولم يكن ضدها، لأنه أعطاها الفرصة لتعديل مسارها، والأهم بأنه وضعها مرة أخرى في موقف المدافع، وفي صورة الضحية لممارسات السلطة ومحاولاتها التآمرية لإقصائها، وهي الفكرة التي تكونت بالفعل في ذهنية الرأي العام بعد تسرب مقترح تعديل الدوائر. وهو ما سوف يؤدي إلى رجوع معظم أعضائها لو أجريت الانتخابات القادمة بنفس توزيعة الدوائر الحالية، فالعوامل النفسية والسيكولوجية تلعب دورا كبيرا في نتائج الانتخابات، والشعوب دائما ما تنتصر للضحية. ولكن في المقابل لو كان قدر لهذا المجلس الاستمرار إلى دور الانعقاد القادم، لتقلص رصيده الشعبي بشكلٍ كبير، لأن مشاعر الاحباط كانت قد بدأت بالفعل تسري في نفوس الناخبين تجاه أداء الغالبية في المجلس. ولكن جاء إبطاله بهذه الصورة، والحديث حول تعديل الدوائر، ليضع الغالبية مرة أخرى في المركز الذي تجيد اللعب فيه، وهو مركز الدفاع. فكثير من أعضاء الغالبية ليس لديهم القدرة على المبادرة ووضع منهج ورؤية وصياغة برنامج سياسي، وهذا يرجع في الأساس إلى سيادة العمل الفردي في العمل السياسي في الكويت وافتقادنا للعمل الجماعي المنظم.
والحاصل عندنا بأن هناك نوعين من السياسيين أو المرشحين أو نواب الأمة، نوع معارض على طول الخط لا يتقن سوى نقد الحكومة واتهامها ليلا ونهارا، وتصوير نفسه أمام الناس بموقف الضحية مما يكسبه تعاطفهم، وكثير من هذا النوع لا يعتمد في ندواته الانتخابية سوى على إثارة حماسة الجمهور، دون أن يقدم برنامجا سياسيا يمكن محاسبته على أساسه في حال وصوله للمجلس، وهذا النوع في الغالب يركز على الدور الرقابي ويهمل الجانب التشريعي. والنوع الآخر هو المتعاون مع الحكومة في الحق والباطل، وهذا النوع دائما ما يركز على تحقيق مصالحه الذاتية على حساب الرقابة والتشريع معا. ولكننا في المقابل نفتقد للصوت الوسطي والمعتدل، الذي يقدم الرؤية الإصلاحية والمنهجية بعيدا عن إثارة الناس وشحنهم، أو التكسب الشخصي على حساب مواقفه المتخاذلة مع الحكومة، ويكون هناك توازن في أدائه بين الجانبين الرقابي والتشريعي. وأعتقد بأن هذا النوع من المرشحين لن يصل إلى السلطة ما دامت الأوضاع في البلد بهذه الصورة، وهذا هو السبب وراء تراجعنا إلى الوراء. فكما تكونوا يولى عليكم.
آخر كلمة: في فترة من الفترات قدم اقتراح بقانون في الكونجرس الأميركي ينص على تحديد مدة العضوية لعضو الكونجرس بفترة زمنية محددة كما هو معمول بالنسبة للرئيس، وذلك لتجديد الدماء في السلطة التشريعية وإعطاء الفرصة للعناصر الشابة للمساهمة في العمل التشريعي والرقابي. أعتقد بأننا نحتاج لمثل هذا التشريع في الكويت لأن كثيرا من العناصر الموجودة في المجلس أصبحت تكرر نفسها ولم يعد لديها ما تقدمه من رؤى متجددة تتناسب مع المرحلة القادمة.