أقلامهم

أحمد الديين: من الخطأ النظر إلى هذا الارتفاع غير المسبوق في سقف المطالبات الديمقراطية على أنّه مجرد مزايدة سياسية غير مبررة

نظرة تاريخية لارتفاع سقف المطالبات الديمقراطية (1 من 3)
كتب أحمد الديين
 
شهدت السنة الحالية ارتفاعا ملحوظا لسقف المطالبات الديمقراطية التي تطرحها التيارات السياسية والمجاميع الشبابية والكتل النيابية في برامجها وبياناتها وتصريحاتها، بحيث أصبحت تشمل من بين ما تشمل المطالبة بالانتقال إلى النظام البرلماني الكامل؛ وإشهار الهيئات السياسية؛ والتمثيل النسبي في الانتخابات؛ وطرح شعاري “الإمارة الدستورية” و”الحكومة الشعبية المنتخبة”.
وأرى أنّه من الخطأ النظر إلى هذا الارتفاع غير المسبوق في سقف المطالبات الديمقراطية على أنّه مجرد مزايدة سياسية غير مبررة؛ أو أنّه تصعيد غير واقعي للغة خطاب المعارضة، مثلما يحاول البعض أن يصوّر الأمر على هذا النحو التبسيطي الواهم، ذلك أنّ ارتفاع سقف المطالبات الديمقراطية إنما هو انعكاس للتطوّر التاريخي الذي شهده المجتمع الكويتي وتعبير عن تنامي الحاجة الموضوعية إلى تلبية متطلبات استكمال بناء الدولة الكويتية الحديثة التي طالما تعمّدت السلطة تعطيلها منذ النصف الثاني من الستينيات؛ بالإضافة إلى التأثيرات التي أحدثتها التحولات الثورية الكبرى الجارية في الوطن العربي وأدّت إلى تغيير عاصف على مستوى الوعي الشعبي وتبدل هام في موازين القوى.
وأمامي مجموعة من الوثائق السياسية التي تعود إلى عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وبعضها يعود إلى العقد الأول من القرن الحالي، حيث نجد أنّ المطالبات الديمقراطية كانت محدودة نسبيا، وإن كانت لا تزال إلى يومنا هذا مطالبات مستحقة، إذ إنّ كثيرا منها لما يُنجز بعد… فعلى سبيل المثال نجد أنّ برنامج “حركة التقدميين الديمقراطيين”، التي كان يقودها الدكتور أحمد الخطيب في بداية السبعينيات، يركّز على المطالبة بـ “إلغاء القوانين اللاديمقراطية كافة… وإشاعة الديمقراطية في المجتمع بضمان حرية التعبير عن الرأي وحرية العمل النقابي والنشاط الشعبي وتعديل قانون الأندية والجميعات… وعدم تدخّل السلطة التنفيذية في سير الانتخابات النيابية، وضمان حرية الانتخابات ونزاهتها، وتشكيل محكمة دستورية للنظر في الطعون والمخالفات”… فيما نجد أنّ بعض هذه المطالبات يتكرر في “منهاج عمل التجمع الوطني” بزعامة المرحوم جاسم القطامي، الذي صدر في نوفمبر من العام 1974، بالإضافة إلى طرح مطالبات ديمقراطية أخرى بينها “بناء الدولة العصرية في الكويت… واحترام الدستور والقوانين المنفذة له، والسعي لتعديل كل ما يتعارض مع مصلحة المواطنين وحرياتهم… وإعادة تسجيل أسماء الناخبين بحيث ينتخب كل مواطن في دائرة سكنه الفعلي، وتخفيض سن الناخب إلى ثمانية عشر عاما، وإقرار حقّ المرأة في الانتخاب والترشيح، مع ضرورة ضمان نزاهة الانتخابات”… أما “حزب اتحاد الشعب في الكويت”، وهو التنظيم اليساري الذي شاركت شخصيا في تأسيسه مع عدد من الرفاق النقابيين العماليين فقد أعلن برنامجه في يونيو من العام 1978 وكان يتضمن مطالبات سياسية ديمقراطية أعلى سقفا في ذلك الحين قياسا بما كان مطروحا، وكان بين تلك المطالبات “إطلاق الحريات العامة للشعب (حرية النشر والمعتقد والتجمع والإضراب وحرية النشاط والتنظيم الحزبي والنقابي والجماهيري) وإلغاء القوانين والإجراءات المقيدة لها. والحفاظ على الضمانات الدستورية الأساسية وتوسيعها ووضعها موضع التطبيق. وقيام حياة نيابية في البلاد على أسس ديمقراطية تضمن أوسع مشاركة شعبية فعالة، وتخفيض سن الناخب إلى 18 سنة، والإقرار للمرأة وجميع حملة الجنسية بحقهم في الترشيح والاقتراع. وتوسيع الحقوق الانتخابية للمواطنين لتشمل انتخاب المحافظين والمختارين لمناصبهم بدلا من تعيينهم إداريا”.
وفي العام 1985 أصدر “التجمع الديمقراطي” الذي كان يضم “حركة التقدميين الديمقراطيين” و”حزب اتحاد الشعب” وعددا من العناصر الوطنية برنامجا انتخابيا نجد فيه تكرارا لتلك المطالبات الديمقراطية، إذ كان يضع في صدارة اهتماماته مطلب “الحفاظ على الضمانات الدستورية من أجل إطلاق وتوسيع الحريات العامة”، وكان ذلك المطلب، الذي قد يبدو اليوم عاديا، متوافقا مع ظروف تلك الفترة الحرجة الواقعة بين الانقلابين السلطويين على الدستور الأول في 1976 والثاني في 1986.