أقلامهم

أحمد الديين: عندما نقرأ الوثائق السياسية بعد التحرير نستطيع أن نلمس انعكاسا واضحا للواقع السياسي الجديد

نظرة تاريخية لارتفاع سقف المطالبات الديمقراطية «2 من 3»
كتب أحمد الديين
 
بعد تحرير الكويت في العام 1991 نشأ واقع سياسي جديد ومختلف عما كان عليه قبل الغزو والاحتلال، وذلك على الرغم من عدم تراجع السلطة نهائيا عن انقلابها الثاني على الدستور، على خلاف ما سبق أن تعهّدت به في المؤتمر الشعبي في جدة في شأن التزامها عودة العمل بدستور 1962 بعد التحرير.
وعندما نقرأ الوثائق السياسية في الأيام والأسابيع والأشهر الأولى بعد التحرير نستطيع أن نلمس انعكاسا واضحا للواقع السياسي الجديد الذي تشكّل في البلاد حينذاك، حيث ارتفع سقف المطالبات الديمقراطية، بل حدث تبدّل كبير في لغة الخطاب السياسي وتغيّر في مصطلحاته، وذلك عبر طرح مطالبات وعناوين تدعو علنا ولأول مرة في الكويت إلى “التعددية السياسية وتداول السلطة ديمقراطيا”، و”إقامة الحكم الديمقراطي، وتكريس سيادة القانون، وتأكيد شعبية الوزارة، وخضوعها للرقابة والمساءلة البرلمانية، وإفساح المجال واسعا أمام حرية نشاط المعارضة، وضمان التعددية”، وكذلك عبر المطالبة بـ “إصلاح السلطة التنفيذية… وزيادة نسبة الوزراء من بين الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمة، وفصل رئاسة مجلس الوزراء عن ولاية العهد، وعدم قصر وزارات السيادة على أفراد بعينهم”… وهذا ما عبّرت عنه على نحو أوضح من سواه وثائق “المنبر الديمقراطي الكويتي” الذي تأسس في الثاني من مارس 1991 بعد التحرير بأيام معدودة ليجمع “حركة التقدميين الديمقراطيين” و”التجمع الوطني” و”حزب اتحاد الشعب” وعددا من العناصر الوطنية ضمن ائتلاف وطني ديمقراطي تقدمي فرض منذ الأيام الأولى للتحرير وجوده السياسي العلني وكان المبادر الأول إلى طرح مطالبات ديمقراطية هي الأرفع سقفا في ذلك الحين ليس قياسا بما كان مطروحا من قبل، بل قياسا أيضا بما طرحته بعد ذلك التجمعات السياسية التي جرى الإعلان عنها لاحقا مثل “الحركة الدستورية الإسلامية” التي تأسست في أواخر مارس 1991 بوصفها الواجهة العلنية لجماعة الإخوان المسلمين، و”التجمع السلفي”، و”الائتلاف الإسلامي الوطني”.
إذ اكتفت “الحركة الدستورية الإسلامية” في برنامجها “نحو استراتيجية دستورية إسلامية جديدة لإعادة بناء الكويت” إلى تأكيد هدفين استراتيجيين، هما “توطيد أركان العدل في البلاد وتحقيق المساواة بين المواطنين، والمحافظة على مبدأ الشورى في الدولة، وفق مفاهيم الإسلام العادلة التي ارتضاها الشعب” و”تطوير النظام السياسي نحو المزيد من المشاركة الشعبية، وتعديل الدستور الكيوتي سعيا إلى تطبيق أمثل لمبادئ الإسلام السامية”… واللافت أنّ “الحركة الإسلامية الدستورية” قد تبنت في تلك الوثيقة حينذاك مطلب “منح المرأة حقّها السياسي في الانتخاب”، بينما اتخذ نوابها في الفترة بين 1999 و2005 مواقف متحفظة تجاه ذلك المطلب!
أما “التجمع السلفي” الذي نشط بعد التحرير تحت اسم “التجمع الإسلامي الشعبي” فطرح إلى جانب شعاراته المعهودة في شأن تعديل المادة الثانية من الدستور مطلب “تشكيل حكومة أغلبية برلمانية”… بينما نجد أنّ “الائتلاف الإسلامي الوطني”، الذي كان يضم الناشطين السياسيين الشيعة من تيارات مختلفة، قد دعا في بيانه التأسيسي إلى “التمسك الحقيقي والفعال بتطبيق الدستور لسنة 1962 ومذكرته التفسيرية، واعتباره الوثيقة الرئيسية للتعامل السياسي والسعي لتطوير هذا الدستور للمزيد من ضمانات الحرية والمساواة”… و”التسامي في التعامل مع المرأة والتأكيد على حقوقها الشرعية والدستورية خصوصا فيما يتعلق بالحقوق السياسية والأحوال الشخصية…”، وبالمناسبة فقد انسجم نواب ذلك الائتلاف مع ذلك الموقف الايجابي تجاه الحقوق السياسية للمرأة وصوتوا مؤيدين لها.
كانت تلك هي المطالبات الديمقراطية المطروحة في بداية عقد التسعينيات بعد التحرير، ولعلّنا نلمس في الخطاب السياسي للمنبر الديمقراطي تحديدا في بداية تأسيسه البذور الأولى للمطالبات الديمقراطية المطروحة الآن وسقفها المرتفع نسبيا… وللحديث صلة في مقال الخميس.