إطلالة / مأساة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية!
علي محمد الفيروز
نأسف على الحال الذي وصل إليه أسطول الخطوط الجوية الكويتية من تقاعس وشلل نصفي في خدمات الطيران والإيرادات، فمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية في تراجع ملحوظ منذ سنوات مضت، فما بالك لو نقيس هذه المشكلات في الوقت الحالي، بالطبع سنرى أن مؤشر مستوى الكويتية في انحدار بسبب نقاط عدة من أهمها عدم تحديث أسطول طائرات المؤسسة وعدم تحسين إيراداتها المالية، وهما الأمران اللذان يؤديان إلى هروب عدد كبير من العمالة الوطنية من مهندسين وفنيين وإداريين إلى أن طال العمالة الوافدة، للتخطيط نحو الهجرة إلى دول خليجية مجاورة لتحسين ظروفهم المالية والبحث عن مؤسسة طيران أفضل من «الكويتية».
ومانراه اليوم أن مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية أصبحت تعيش ظروفا محلية – عالمية غامضة وكأنه لا يستطيع أحد من انتشالها من وحل العجز المالي والإداري والفني وهي خصال يجب توافرها في أي مؤسسة طيران ناجحة، ناهيك عن العجز الحكومي لايجاد أي مخرج ايجابي يخدم هذه المؤسسة الوطنية عن طريق شراء أو استئجار طائرات جديدة من شأنها إصابة الطائرات القديمة بالخلل الفني الذي يجعلها تقف عاجزة عن أداء مهامها في مطار الكويت الدولي، وبالتالي فإن تحديث أسطول طائرات المؤسسة مطلب رئيسي من جميع العاملين في الوقت الحالي لمواكبة عملية التطور والمقاييس العالمية أو على الأقل التقليل من تكاليف الصيانة التي أصبحت تزداد بشكل ملحوظ.
ومن المعروف أن طائرات «الكويتية» معظمها طائرات قديمة مضى عليها الدهر ما يجعلها تحتاج إلى صيانة دورية أكثر من أي طائرة جديدة، إذ ان التغيير في الأسطول أمر حتمي حالها حال شركات الطيران الأخرى التي تسعى نحو التطوير والتحديث الذي يقلل تلك التكاليف الباهظة ويزيد الإيرادات ويحسن موضوع الخدمات والرفاهية المقدمة للركاب المسافرين، وحين البدء بهذه الخطوات تنتهي كل العراقيل والمشكلات التي تواجه تلك الناقلة الوطنية.
نحن اليوم حينما نتحدث عن «الكويتية» أو أي شركة طيران نتطرق إلى الامكانات والطاقات الاستيعابية والتطورات التكنولوجية وهي صفات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تكريس ميزانية مرصودة للشركة والمؤسسة، ولو نلقي الضوء على الميزانية المرصودة لعمليات الصيانة على أسطول الكويتية خلال عام 2010 سنجد انها بلغت 33 مليون دينار وارتفعت إلى 37 مليونا بسبب زيادة تكاليف الصيانة، لاسيما في محركات الطائرات التي تكلف المؤسسة الملايين من الدنانير، إذ ان تكاليف صيانة محركات الطائرات قد رصدت لها ميزانية معينة ولكن ارتفعت لتصل إلى 23 مليون دينار بسبب الزيادة في كلفة تنزيل «المحركات القديمة» بسعر باهظ جدا لو أردنا المقارنة مع محركات الطائرات الجديدة التي ربما لا تحتاج إلى عمليات صيانة جوهرية، كما ان لصيانة المحركات القديمة نحتاج لمدة اطول قد تصل إلى أيام وهو ما يؤدي بالطبع إلى تأخير الرحلات الجوية وخسائر تشغيلية تتحملها «الكويتية» ناهيك عن فقدان ثقة الراكب في هذه الناقلة الوطنية التي باتت تتطلب المزيد من الرفاهية ووسائل الترفيه على متن طائراتها.
مع الأسف اليوم نجد مؤسسة الكويتية غير قادرة على تحسين وضعها في سوق الطيران الاقليمي بسبب دورها الضعيف في النقل الجوي داخل الوطن، فما بالك لو يكون خارجه، على الرغم من وعود الحكومة على تطوير «الكويتية» إلا ان الأوضاع مازالت باقية كما هي.
وبالتالي لا يمكن منافسة شركات الطيران الخليجية والأجنبية التي سبقتها كالبرق، فلننظر إلى طيران الجزيرة المحلية مثلا: كيف بدأت وكيف أصبحت عظيمة من حيث الايرادات والخدمات والرفاهية فهي الآن تنطلق نحو الريادة العالمية، و«االجزيرة» الآن تنافس كبرى شركات الطيران… والسؤال هنا: أين دور الحكومة في إعداد الخطط المستقبلية لهذه المؤسسة التي كانت واعدة، وما دورها حيال الدراسات الفنية التي قام بها اتحاد النقل الجوي الدولي (الآياتا) لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وأين دورها في زيادة أعداد الطائرات الحديثة لتكون قادرة على دخول المنافسة في سوق الطيران؟!
أعتقد أن الحكومة لم تقم بالدور المطلوب منها على أكمل وجه وبالتالي لم تتطور هذه المؤسسة نحو الأفضل!!… ان التأخر في إجراءات تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى قطاع خاص لتفعيل عملية الخصخصة يتيح للآخرين الفرصة لظهور العديد من الإشاعات خصوصا في ما يخص مصلحة العمل وتطويره، وهذا بالطبع يؤثر سلبيا على نفسيات الموظفين المخلصين العاملين فيها، لاسيما ان العنصر البشري يجب أن يكون له أهمية كبيرة في انجاح هيكلة الشركة الجديدة واعادتها إلى دائرة الربحية التنافسية في سوق الطيران الاقليمي، وهذا يجعلنا نتساءل عن مدى البطء في عملية تخصيص المؤسسة واجراءات التحويل والذي بدأ قبل عشرين عاما، وتحديدا في نوفمبر 1993، حينئذ كانت «الكويتية» في عز عطائها الذهبي لانها كانت وحيدة ومحتكرة للسوق المحلي ولكن أين هي الآن بعد تلك الحقبة الطويلة؟ يا حسرة على ما وصلت اليه!! لقد صدر القانون رقم 6 لسنة 2008 ليحدد مهلة سنتين لتسريع التخصيص إلى أن تم تجاوز موعده النهائي بنحو سنتين ونصف السنة خسرت فيها المؤسسة نحو 76 مليون دينار في السنة المالية 2011/2010 و74 مليون دينار في السنة المالية 2012/2011 ما يعني ان عامل الزمن بدأ يعمل نحو تهالك ما تبقى من هذه المؤسسة دون انجاز أي تقدم فعلي في عملية التحويل نحو الخصخصة!!
وبالتالي بقاء مؤسسة الخطوط الكويتية على وضعها المزري لا يؤدي إلا إلى المزيد من الخسائر البشرية المالية والمزيد من الاساءة للسمعة في سوق الطيران، ولعل ما حدث قبل اسبوع من وقف اضطراري لبعض الطائرات من اسطولها الصغير والقديم للحفاظ على أرواح المسافرين والخوف من احتمال حدوث كوارث والتخبط في تغيير مواعيد الاقلاع والوصول خير دليل على رداءة الأحوال، والطامة حينما يصرح مصدر حكومي بعدم امكانية الحكومة على استئجار أو شراء طائرات جديدة لدعم اسطول الكويتية نظرا إلى أن الحسابات الختامية لـ «الكويتية» معطلة منذ 12 عاما، ثم ترمي المؤسسة المسؤولية الكاملة على مجلس الأمة بأنه يضع كل العراقيل أمامها، وتتعهد الحكومة مرة أخرى على اصلاح الطائرات القديمة رغم رداءة محركاتها والتكلفة العالية فلا يمكنها عمل أكثر من ذلك بينما يحتضر أسطول الكويتية ويلفظ أنفاسه الأخيرة بوجود حكومة تصريف العاجل من الأمور!!
ومن هنا يجب أن نتساءل عن البدائل المطروحة عند ايقاف هذه الطائرات المتهالكة والإصرار على انفاق المليارات من الدنانير لصيانة الطائرات الموجودة بدلا من تأمين أرواح المسافرين عن طريق شراء أو تأجير طائرات جديدة في أسرع وقت، فلكل شيء ضرورة، ويبقى السؤال هنا، كيف نستطيع أن نجعل الكويت مركزا ماليا وتجاريا عالميا ونحن عاجزون عن توفير طائرات جديدة لمؤسسة حكومية مثل «الكويتية»؟!!
سؤال نوجهه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح حفظه الله ورعاه.
أضف تعليق