أقلامهم

الجريمة الكامنة بداخلنا

في عام 1963 قام الدكتور ستانلي ميلغرام من جامعة ييل بإجراء تجربة نفسية لاختبار مدى قابلية الإنسان للامتثال والخضوع إلى الأوامر  الصادرة عن السلطة، كانت التجربة تقتضي أن تأمر الأشخاص الخاضعين للاختبار  بتعذيب آخرين بالصعق بالكهرباء، ورغم لا أخلاقية التعذيب إلا أن أغلب المشاركين في الاختبار قد امتثلوا للأمر  بدون كثيرٍ من التردد بمجرد ما يتم تذكيرهم “بأنها الأوامر”.

لدواعٍ أخلاقية، كان الشخص الذي يتعرض للصعق مجرد ممثل يشارك في التجربة من خلال تظاهره بالألم. ولكن النتيجة المفجعة لهذه التجربة أظهرت بأن ثلثيّ العينة لم يجدوا غضاضة من إلحاق الأذى بالآخرين وتعذيبهم واضطهادهم بسبب صدور هذه الأوامر من سلطة رسمية. أي أننا، كبشر، نبرعُ في الطاعة إلى حدّ الجريمة، ولا يسعني هنا إلا أن أنظر إلى الثلث الباقي، الذي رفض الامتثال لأوامر منهذا النوع، على أنه الجانب المضيء من العالم، والمسؤول عن خلاصه.

وفي عام 1971  قامت البحرية الأمريكية بتمويل دراسة شبيهة ستعرف فيما بعد بـ “اختبار سجن ستانفورد” يقودها الدكتور فيليب زيمباردو. وتم الإعلان عن التجربة في الجرائد للحصول على مشاركين مقابل 15$ كل يوم  للمشاركة في تجربة (محاكاة لسجن) مدتها أسبوعين.

استجاب للإعلان 70 شخصاً، اختير منهم 24 كانوا الأكثر ملاءمة من حيث الاستقرار النفسي والصحة البدنية. وكانت غالبيتهم من البيض الذكور ومن الطبقة الوسطى. ثم قسمت العينة عشوائياً إلى مجموعتين متساويتين من مساجين وحراس، حيث تسلم الحراس عصي شرطة ، وبزات عسكرية، ونظارات عاكسة لتجنب التواصل البصري مع المساجين.

على عكس المساجين تمتع الحراس بدوام على شكل دوريات، حيث يفترض أن يعودوا إلى بيوتهم بعد انقضائها، ولكن عدداً منهم صار يتطوع لساعات إضافية لأعمال الحراسة رغم أنها بدون أجر! في المقابل، كان المساجين يلبسون رداءً فضفاضاً من دون ملابس داخلية، وقد رمز إلى كل سجين برقم عوضاً عن اسمه وخيطت الارقام على ملابسهم، وكان عليهم أن يعتمروا قبعات ضيقة من النايلون لتبدوا رؤوسهم كما لو أنها حليقة تماماً. كما وضعت سلسلة صغيرة عند الكاحل كمنبه دائم على أنهم مسجونون ومضطهدون. لنقل بأنه تم تفريغهم من إنسانيتهم من خلال إذلالهم.

أكدت تجربة “اختبار سجن ستانفورد” ما توصل إليه ستنالي ميلغرام في 1963، حيث تم تقمّص الأدوار تماماً، وتعرّضت عينة السجناء إلى صنوف التعسف والقمع والممارسات السادية، وهو الأمر الذي أدى إلى إلغاء التجربة بعد 6 أيام، في حين كان من المفترض استمرارها لأسبوعين، كما تعرّض أغلب المساجين إلى اضطرابات عاطفية وصدمة من التجربة. مثل تجربة ستانلي ميغرام، يعتبر هذا الاختيار أيضاً شاهداً على أنماط الطاعة والانصياع التي يبديها الناس عندما يتعرضون لنظام أيديولوجي يحظى بدعم اجتماعي ومؤسساتي، إذا كانت السلطة، أو الرأي العام، لا يجد غضاضةً في التعذيب فالأرجح أن كثيرين منا سيجدون أنفسهم، يوماً ما، إما جلادين أو ضحايا، شبيحة أنظمة أو شبيحة معارضة، قتلة أو قتلى.

يقول الروائي ج. م. كوتزي: “الجريمة الكامنة بداخلنا ينبغي إنزالها على أنفسنا وليس على آخرين.” وتبدو هذه العبارة ممعنة المازوشية كما لو ان الاقتراح الوحيد الذي يمكن لكاتب برهافة كوتزي أن يوفره، إذا كان لا بد من الأذى، فلتكن ضحية نفسك وليس الآخر. 

أتساءل ما الفرق؟ وما الذي سيوقفُ عجلة العنف المحترقة وهي تتدحرج على أرواحنا؟ كيف سنتخلّص من الجريمة الكامنة فينا؟ قدرتنا على الإيذاء ورغبتنا في إيلام الآخر وتفريغه من إنسانيته؟ وإذا كان ثلثا البشر قابلين لتنفيذ أوامر تتضمن التعذيب، فكيف نستنكر وجود معتقلات مثل أبوغريب وغوانتنامو يتم اضطهاد الإنسان فيها بمنهجية مؤسساتية منظمة وتواطؤ عالمي صارخ؟ وسؤالي الأخير، عزيزي القارئ، هل ما زلت مندهشاً من وجود شبيحة ومن حدوث مجازر؟

@Bothayna_AlEssa