أقلامهم

أحمد الديين: التطوّر الأهم الذي شهده الحراك الشبابي بدأ يتشكّل في نهاية العام 2009

نظرة تاريخية لارتفاع سقف المطالبات الديمقراطية (3 من 3)
كتب أحمد الديين
 
مع بداية الألفية الثالثة شهدت الحياة السياسية في الكويت تغيّرا لافتا كان أبرز مظاهره ارتفاع سقف الخطاب السياسي المعارض، حيث يعود هذا التغيّر على المستوى السياسي إلى ما شهده المجتمع الكويتي بالأساس من تغيّرات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي تمثّلت في اتساع الفوارق الطبقية وتزايد معاناة الفئات الشعبية وتنامي شعورها بالتهميش.
وفي هذا السياق تشكّلت في العام 2000 “كتلة العمل الشعبي” النيابية، التي حظيت ولا تزال تحظى بتأييد واسع بين أبناء القبائل ممَنْ يشعرون بالتهميش أكثر من سواهم، حيث انتقل إلى هذه الكتلة مركز الثقل في المعارضة البرلمانية، بل المعارضة السياسية، مع ما تميّز به خطابها السياسي ونشاطها البرلماني من ارتفاع في سقف المطالبات، وذلك بغض النظر عما يمكن أن يُقال حول هذه الكتلة وأعضائها ومواقفها من ملاحظات وانتقادات!
وفي هذا السياق أيضا تمّ الإعلان في بداية العام 2005 عن تأسيس “حزب الأمة” الذي يصف نفسه بأنّه “حزب محافظ”، وإن كان واضحا أنّ المبادئ المعلنة لهذا الحزب والجذور السلفية لأبرز مؤسسيه توضح أنّه حزب إسلامي… ولكن الأهم هو ما مثّله الخطاب السياسي لحزب الأمة من نقلة نوعية لافتة في الخطاب السياسي الإسلامي في الكويت ليس فقط قياسا بالخطاب السلفي؛ وإنما قياسا كذلك إلى خطاب “الحركة الدستورية الإسلامية”… إذ أعلن “حزب الأمة” بوضوح أنّه يدعو إلى “تحقيق الحرية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وترسيخ حق الأمة في اختيار السلطة، ومراقبتها،ومحاسبتها، وعزلها بالطرق الشرعية، وإقرار حق إشهار الأحزاب وتنظيمها…”، وذلك أيضا بغض النظر عن الملاحظات والانتقادات التي يمكن أن تُقال حول تعمّد عدم ذكر كلمة الديمقراطية في الوثائق التأسيسية لهذا الحزب!
وفي هذا السياق كذلك، ومع بروز الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي العالمي في العام 2008 والسقوط المريع للنيوليبرالية على الصعيد العالمي وتهاوي ادعاءاتها الايديولوجية الخادعة في الاعتماد المطلق على آلية السوق العمياء وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد… بالإضافة إلى انسداد الأفق أمام استمرار مشاركة اليسار التقدمي طرفا في الائتلاف السياسي الذي يمثّله “المنبر الديمقراطي” منذ 1991، فقد استعاد اليسار التقدمي الكويتي وجوده التنظيمي المستقل؛ الذي كان ممثلا تاريخيا منذ العام 1975 في “حزب اتحاد الشعب”، حيث بادر اليسار التقدمي الكويتي إلى طرح خطاب مختلف تماما عن الخطاب الليبرالي السائد… حيث يقوم الخطاب اليساري التقدمي على الربط الموضوعي بين القضايا الوطنية والديمقراطية من جهة وبين قضية العدالة الاجتماعية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تميّز هذا الخطاب على المستوى السياسي بالوضوح في معارضة النهج السلطوي والنزعة المشيخية.
وبالإضافة إلى ما سبق، ومن دون تجاهل للحراك الشبابي في العام 2006 من أجل إصلاح النظام الانتخابي، إلا أنّ التطوّر الأهم الذي شهده الحراك الشبابي بدأ يتشكّل في نهاية العام 2009، حيث برزت حركات شبابية احتجاجية تصدّت بشجاعة لنهج السلطة وقوى الفساد، ودعت إلى إحداث إصلاحات سياسية عميقة… ولعلّ المظاهرة الشبابية التي انطلقت من مبنى مجلس الأمة إلى قصر العدل صباح يوم 28 ديسمبر من العام 2010 هي أول مظاهرة سياسية في تاريخ الكويت يردد المشاركون فيها شعار “الحكومة الشعبية”، مع ما يمثّله هذا الشعار من دلالة حول ارتفاع سقف المطالبات الديمقراطية.
وهنا نلاحظ، أنّه بدءا من العام 2011، ومع التطوّر الذي شهده الحراك الشبابي وتحوّله إلى حراك شعبي واسع، بالإضافة إلى ما شهده الوطن العربي من تغييرات ثورية عاصفة وما أحدثته هذه التغييرات من تبدّل في موازين القوى لغير صالح السلطات، فقد بدأت تتبلور في صفوف الحركة السياسية المعارضة والحركة الشبابية الاحتجاجية في الكويت المطالبات الصريحة بإقامة نظام برلماني ديمقراطي مكتمل الأركان يكون بديلا عن الطريق الحالي الوسط بين النظامين البرلماني والرئاسي وفق دستور 1962، وذلك عبر الانتقال من “دستور الحدّ الأدنى” إلى دستور ديمقراطي… وهذا هو التطوّر الديمقراطي المستحق تاريخيا، الذي لم يعد بالإمكان تعطيله!