أقلامهم

الديين: السلطة هي الطرف الأول، وإن لم يكن الأوحد، الذي ساهم في تعميق اختلال توزيع أعداد الناخبين.

ذريعة العدالة وحجة المساواة!
كتب أحمد الديين
 
بالتأكيد فإنّ العدالة والمساواة بين أعداد الناخبين في تقسيم الدوائر الانتخابية هما من أهم المعايير في أي نظام انتخابي ديمقراطي، إذ إنّ الفوارق الكبيرة في أعداد الناخبين بين دائرة انتخابية وأخرى تمثّل اختلالا في النظام الانتخابي يتعارض مع المبادئ الديمقراطية.
والمؤسف أنّ تقسيم الدوائر الانتخابية في الكويت لم يراعِ العدالة والمساواة ليس في نظام الدوائر الخمس وحده، مثلما يتم التركيز عليه هذه الأيام لغرض سياسي في “نفس يعقوب السلطة” لا صلة له بالعدالة ولا بالمساواة، وإنما كان هذا الاختلال قائما وعلى نحو صارخ في تقسيم الدوائر العشر الذي جرت وفقه انتخابات مجلس الأمة في فصوله التشريعية الأربعة الأولى  بين 1963 و1975، حيث لم يتجاوز عدد الناخبين في الدائرة الثانية (القبلة) في انتخابات مجلس الأمة الأول 762 ناخبا، فيما كان عددهم 2270 ناخبا في الدائرة العاشرة (الأحمدي)، أي بفارق نسبته 1 إلى 3 بين أعداد ناخبي الدائرتين، وهي بلا شك نسبة ظالمة لم تكن تمّت إلى العدل والمساواة بصلة!
وكذلك تكرّس التوزيع الظالم لأعداد الناخبين في تقسيم الدوائر الخمس والعشرين، الذي انفردت السلطة بإقراره بمرسوم بقانون في غياب مجلس الأمة خلال فترة الانقلاب الأول على الدستور، وهو التقسيم المعبوث به الذي استمر قائما حتى 2006، وجرت وفقه انتخابات مجالس الأمة المتعاقبة في 1981، 1985، بل كذلك انتخابات ما يسمى المجلس الوطني غير الدستوري في 1990 قبيل الاحتلال خلال فترة الانقلاب الثاني على الدستور، وانتخابات مجلس الأمة في 1992، 1996، 1999، 2003، و2006، ففي ذلك التقسيم كانت منطقة “الروضة” وحدها تمثّل دائرة انتخابية، بينما تشكّل مناطق العديلية والجابرية والسرة معا دائرة انتخابية أخرى، وكذلك كانت منطقة “كيفان” وحدها تمثّل دائرة انتخابية، بينما كانت مناطق الخالدية وقرطبة واليرموك تشكّل معا دائرة انتخابية أخرى… ناهيك عن التفاوت الصارخ بين أعداد الناخبين، فعلى السبيل فقد كان عدد ناخبي الدائرة الثانية (القبلة) في انتخابات 2006، وهي آخر انتخابات وفقا للدوائر الخمس والعشرين، لا يتجاوز  5154 ناخبا، بينما كان عدد ناخبي الدائرة السابعة عشرة (جليب الشيوخ) حينذاك يصل إلى 20025 ناخبا، أي بفارق نسبة 1 إلى 4 وهي بالتأكيد ليست نسبة عادلة!  
والمؤسف، استمرار هذا التجاهل لمعياري العدالة والمساواة في نظام الدوائر الخمس الذي تمّ تصميمه على أساس توفيقي بتجميع كل خمس دوائر انتخابية صغيرة متجاورة من الدوائر الخمس والعشرين في دائرة واحدة كبيرة من الدوائر الخمس المستحدثة، وقد جرت وفق هذا النظام غير العادل انتخابات مجالس الأمة المتعاقبة في 2008، و2009، وأخيرا الانتخابات المبطلة في 2012 بسبب الخطأ الإجرائي المتعمّد من الحكومة في مرسوم حلّ مجلس 2009 المرفوض شعبيا، ولم تتحدث السلطة طوال تلك الفترات عن انعدام العدالة وغياب المساواة!
وبعيدا عن أي تبرير مرفوض فإنّ عدم مراعاة معياري العدالة والمساواة في توزيع أعداد الناخبين بين الدوائر المختلفة إنما هو اختلال قائم منذ بدء العهد الدستوري وليس وليد اليوم، وكان يجب تصحيحه منذ البداية، وكان تصحيحه مستحقا دوما… ولعلّي لست متجنيا عندما أقرر أنّ السلطة هي الطرف الأول، وإن لم يكن الأوحد، الذي ساهم في تعميق هذا الاختلال، خصوصا عندما أصدرت في العام 1980 المرسوم بقانون بتقسيم الدوائر الانتخابية إلى خمس وعشرين، وفصلّتها وفق مقاييسها متجاهلة معياري العدالة والمساواة، بالإضافة إلى مسؤولية السلطة في تعميق هذا الاختلال عبر تسهيلها المستمر عمليات نقل أصوات الناخبين بين الدوائر المختلفة لصالح المرشحين المحسوبين عليها؛ وتجاهلها شرط تحديد محل السكن في تسجيل الناخبين؛ ومماطلتها المتكررة في إقرار الاقتراحات النيابية المتعددة بتسجيل الناخبين في الدوائر وفقا لعناوين السكن الفعلية المحددة في بطاقاتهم المدنية!
أما اليوم فنحن لسنا أمام صحوة ضمير سلطوي، وإنما نحن أمام محاولة سلطوية جديدة للعبث بالنظام الانتخابي وآلية التصويت تحت ذريعة العدالة ومبرر المساواة… وبالتأكيد فإنّ تصحيح الاختلال أمر مستحق، وهذا ما يجب أن يكون من أولى الأولويات التي يفترض أن يلتزم المرشحون في انتخابات مجلس الأمة المقبل بتحقيقها في دور انعقاده الأول، أما انفراد السلطة بإصدار مرسوم بقانون يعدّل أعداد الناخبين ويخفّض في الوقت نفسه عدد الأصوات التي يستطيع الناخب أن يدلي بها، فهو خلط سلطوي للسمّ بالعسل بهدف التحكّم أكثر في مخرجات العملية الانتخابية تحت ستار العدالة وغطاء المساواة!