أقلامهم

الديين: من السذاجة قبول ادعاءات المحسوبين على السلطة بأنّها تسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة

كشف الأهداف لإفشال المخطط
كتب أحمد الديين
 
في السياسة عليك ألا تكتفي بما يتم الإعلان عنه على السطح من تصريحات ومواقف، وإنما قد يكون المسكوت عنه وما لا يجري الحديث حوله هو الأهم والأخطر… ولعلّ الأمر اللافت للنظر في تعامل السلطة مع مشروعها الأخير للعبث بالنظام الانتخابي أنّها تتجنّب بدهاء التصريح المباشر عنه؛ وتتحاشى عن عمد الكشف عن طبيعة التعديل المقصود الذي تسعى إلى إجرائه على النظام الانتخابي وآلية التصويت!
ففي بداية الأمر تمّ الكشف عن معلومات متوافرة منذ أواسط شهر أبريل الماضي حول عزم السلطة على حلّ مجلس 2012 وجرى تكليف أحد مستشاري ديوان سمو ولي العهد بإعداد مشروع لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وعدد الأصوات التي يستطيع الناخب الإدلاء بها، تمهيدا لإصداره بمرسوم بقانون خلال فترة الحلّ بالتزامن مع مرسوم دعوة الناخبين… ثم فجأة، وقبيل أيام معدودة من صدور حكم المحكمة الدستورية بإبطال مرسوم حلّ مجلس 2009 وبطلان انتخابات مجلس 2012، أقرّت الحكومة مشروع مرسوم تفعيل المادة 106 من الدستور بشأن تأجيل جلسات مجلس الأمة عشية… وبعد صدور الحكم راجت التسريبات حول أكثر من اتجاه لبدائل الحكومة ومشروعاتها في تغيير النظام الانتخابي، فمرة يدور الحديث عن الإبقاء على الدوائر الخمس مع تخفيض عدد الأصوات التي يدلي بها الناخب إلى صوت أو صوتين، ومرة أخرى تتسرّب الأخبار عن العودة إلى نظام الدوائر العشر مع تخفيض عدد الأصوات، وفي المرة الثالثة يتم توجيه الأنظار نحو العودة إلى نظام الدوائر الخمس والعشرين الذي أسقطته حركة “نبيها خمس” في 2006، وفي المرة الرابعة ننتقل إلى ترويج جديد عن استحداث نظام الدائرة الانتخابية بصوت واحد للناخب الواحد، وفي المرة الخامسة يتم تسريب دراسة حكومية لإعادة توزيع مناطق الدوائر الخمس الحالية وتقسيم أعداد ناخبيها بحيث تتقارب بما يحقق “المساواة” بالتزامن مع تخفيض عدد الأصوات، وفي المرة السادسة يُفتح الباب أمام ادعاءات عدم دستورية النظام الانتخابي الحالي للدوائر وعدد الأصوات مع ضرورة إحالته إلى المحكمة الدستورية… وفي ظني أنّ هذه المعلومات المتضاربة والتسريبات المتناقضة والمشروعات المتباينة ليست تخبّطا سلطويا ولا هي مؤشرا على عدم حسمها خياراتها في تغيير النظام الانتخابي، وإنما هي جزء من مخطط السلطة الذي يهدف بالأساس إلى إحداث بلبلة في صفوف الرأي العام والتيارات السياسية والكتل النيابية والمجاميع الشبابية، بحيث تنشأ حالة من التضارب في صفوفها، ناهيك عن استخدام هذه التسريبات في جسّ النبض… والأهم من ذلك كله هو التغطية على المشروع الفعلي للسلطة.
وإذا انتقلنا إلى حقيقة أهداف السلطة من العبث بالنظام الانتخابي، فإنّه من السذاجة قبول ادعاءات المحسوبين عليها بأنّها تسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة في النظام الانتخابي وتحصينه تجاه الطعون الانتخابية والدستورية… ذلك أنّ هناك هدفا مباشرا مكشوفا للجميع بمَنْ فيهم الطفل الصغير يتمثّل في محاولة السلطة استعادة قدرتها على التحكّم في مخرجات العملية الانتخابية والتأثير على مجرياتها عبر إعادة توزيع الدوائر وتغيير آلية التصويت… ولكن هناك هدفين مضمرين يجب الانتباه إليهما، أولهما هو صرف انتباه الرأي العام الشعبي والتيارات السياسية والكتل النيابية والمجاميع الشبابية عن استحقاقات الإصلاح السياسي الديمقراطي المتمثّل في قانون ديمقراطي لإشهار الهيئات السياسية والوصول إلى النظام البرلماني الكامل، بحيث ينحصر الاهتمام في موضوع الدوائر وآلية التصويت، ويكون هذا هو سقف النشاط السياسي… أما الهدف المضمر الآخر للسلطة من وراء مشروعها الجديد للعبث بالنظام الانتخابي فهو أن تتمكّن في حال تمرير هذا المشروع من إحداث تغيير يناسبها على ميزان القوى الذي نشأ منذ بداية العام 2011 بفعل الحراك الشعبي المحلي؛ وكذلك تحت تأثير التغييرات الثورية العاصفة في الوطن العربي، بحيث تستعيد السلطة مجددا زمام المبادرة الذي افتقدته لتعاود الهجوم على الهامش المتاح من الحريات السياسية والتضييق مرة أخرى على أطراف المعارضة، وتحجيم الحراك الشعبي، وهذا ما يجب الانتباه إليه والعمل على إفشاله.