أقلامهم

فهيد البصيري: محترفون في تزوير التاريخ. كل الكلام الذي علمناه في الكتب المدرسية كان شاكلة قالت جدتي!

حديث الأيام / الاستشهاد… والأولمبياد!
 
د. فهيد البصيري
يبدو أننا محترفون في تزوير التاريخ، ويبدو أن كل الكلام الذي علمناه في الكتب المدرسية لم يكن سوى على شاكلة قالت جدتي! فنحن أناس لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر، ولكن الحقيقة أننا لا في الصدر ولا في الوسط، ولكن في الذيل وفي أحسن الأحوال في القبر، تذكرت هذا البيت وأنا أشاهد أبطال العالم في أولمبياد لندن وهم يحصدون الفوز بالذهب، وصحيح أن القصة كلها لعب في لعب، ولكنها رياضة، والجسم السليم في العقل السليم أو بالعكس، وسواء كانت هكذا أو كذاك، فإن العرب أثبتوا أنهم لا عقل سليماً ولا جسم سليماً، والمشكلة أن البعض منا لا يزال يعتبر كرة القدم، والألعاب الأولمبية صناعة يهودية أو مؤامرة وربما رجساً من عمل الشيطان، والواقع أن الدورات الرياضية والاهتمام بالرياضة هو دليل على اهتمام دول العالم بالإنسان، والاهتمام بالرياضة والفن والثقافة كلها مؤشرات على تقدم الدول واستقرارها، ولذلك نصيب الرياضة في الدول العربية كنصيب الكلب، والإنسان العربي اليوم في وضع (خلوها على الله)، ولا يعني أنه كان مدللا في السابق بل كان مدلدلا، ومع ذلك خرج البطل العربي من القمقم، وكسر كل التوقعات، وصحيح أن غالبيتهم أبطال من برونز وفي أفضل الأحوال من فضة، إلا أنهم أبطال مميزون قهروا الظروف، وحفروا الجمود أو الجلمود العربي الذي حطه السيل من علِ، وحققوا ما حققوه بجهدهم الذاتي، ولذلك كانت نتائجهم إنجاز أقرب إلى المعجزة، والمسألة ليست مسألة فلوس والسلام، فالمال يشتري المعدات واللبس الرياضي ولكنه لا يصنع الأبطال،وقبل المال يجب أن يكون هناك الإعداد النفسي والمعنوي والذي لن يحدث ما لم تعِ المجتمعات العربية أهمية الثقافة الفنية والأدبية والرياضية في حياتها.
ولأن المسألة ليست مسألة مال، ها هي الدول الأفريقية الفقيرة تحصد الذهب كما تحصد حقول القمح الأفريقية، وكأنهم استثمروا هزالهم من المجاعة في صناعة العدائين، ودولة مثل كازاخستان ورغم فقرها وقلة حيلتها قهرت الدول الأوروبية بالذهب فحصيلتها حتى الأمس هي 6 ميداليات ذهبية وكأنها صائغ متخصص بالذهب، وجامايكا التي لا تتعدى مساحتها نصف مساحة الكويت العظمى، لديها أبطال ينافسون جمل (أبو حمد) في العدو، ولكن ما لم أتوقعه هو أن أرى لاعبة جمباز عمرها 38 سنة ونيفاً، ما يعني أن الرياضة لدى شعوب العالم – ما عدى العالم العربي طبعا- لا تقف عند عمر محدد، وأن هذه الشعوب تمارس الرياضة من المهد إلى اللحد، وأننا نمارس الكسل والهذر ولو في الصين. كما أنني استمتعت بمشاهدة بطلات في عمر أطفالي، وأبطال في ريعان الشباب، وتحسرت على شبابنا الذي يكذب حتى على نفسه في الرياضة، فيتناول الأدوية والإبر الهرمونية (النفاخة) وبين ليلة وضحاها يخرج علينا وكأنه (قبقب) أي سلطعون البحر ولكن بحجم البغل! 
وتستمر الحياة ولكن حياة الإنسان العربي لا تخلو من المفارقات المربكة والمحزنة، وفيما أبطال العالم يحصدون الذهب في اولمبياد لندن فإن الجيش السوري العربي يحصد الأرواح في سورية، وبينما المركبة الفضائية (كيوريوس) تهبط على المريخ، فإن صواريخ الجيش العربي السوري تهبط على رؤوس السوريين، وأبطال العالم يحتفلون بنصرهم أمام شعوبهم، وأبطالنا أحياء عند ربهم يرزقون، وبدلا من أن نقول لأبطالنا مبروك نقول: الله يرحمكم، إنا لله وإنا إليه راجعون. وأنتم السابقون ونحن اللاحقون، ولا تشغلوا أنفسكم بالذهب فهو في الحفظ والصون. وشتان مابين الفوز بالذهب والفوز بالآخرة.