كلمات
شعرة معاوية
كتب د. فيصل أبوصليب
بين الشعب والسلطة في الكويت شعرةٌ لا تقطع أبدا، كلما شدت من طرف أرخيت من الجانب الآخر, وهكذا دواليك، هكذا عودتنا السلطة, أزمة وانفراجة، وحلٌ وكربة، ولم يتنفس الناس الصعداء بعد حكم الدستورية وحل المجلس المشؤوم، حتى بدأ الحديث حول تعديل النظام الانتخابي، وليس من المستبعد القيام بذلك، على الأقل بتقليص عدد الأصوات، فهكذا تشير الدلائل، وهناك مقدمات لذلك، والمراسيم التي تصدر هذه الأيام فرادى وجماعات، حول خطابات الكراهية، والوحدة الوطنية، والكويتية، والرياضة، وغيرها، قد تكون مقدمة لما هو آتٍ تجاه النظام الانتخابي، فتلك المراسيم لها مردودٌ إيجابي لدى الرأي العام، وتمثل الجزرة التي ربما تعقب بالعصا، فهذه المراسيم استهدفت تنفيس الشحن والضغط الشعبي، وإحراج كتلة الغالبية، والإيحاء للرأي العام بأن الحكومة قادرة على الإنجاز دون تعقيدات المجلس وصراخ أعضائه، ولا شك بأن تقصير الأغلبية في المجلس السابق أعطى الحكومة الفرصة لرسم مثل هذا الانطباع في اذهان الناس، وهذا أمر خطير إن تطور، وتم التسويق له بشكلٍ جيد، فالحكم الفردي وسهولة اتخاذ القرار فيه يغري العامة بأفضليته للإنجاز, وقد حاولت السلطة بالفعل القيام بذلك بعد حل مجلس الأمة في يوليو 1986 وعلقت بعض مواد الدستور، فكانت هناك فكرة المكاتب الوزارية التي تقدم الخدمات للناس، وفكرة مجالس المحافظات لتكون عوضا عن المجلس، ولكن أياُ من تلك المحاولات لم يقدم نتائج ملموسة، ولم يكن هناك إنجاز ولاتنمية، ولا هم يحزنون, وكل ما كان هنالك سرقة وفساد واختلاسات وحرمنة. فالقرار الفردي الذي تتركز بيده السلطات يبدو ظاهريا بأنه الأقدر على تلبية طموحات الشعوب كونه يتميز بمركزية اتخاذ القرار، وقد تكون هناك تجارب مجاورة تشجع من يتبنى هذا التوجه, ولكن الواقع والشواهد التاريخية تشير إلى أنه ليس هناك من نظام أثبت فعاليته وقدرته على الاستمرار سوى النظام الديمقراطي القائم على سيادة وحكم الشعب، وأيا يكن، فإن مثل هذه التوجهات من المستبعد الأخذ بها أو مجرد التفكير فيها في الوقت الراهن، لأن الزمن غير الزمن، والمعطيات اختلفت تماما، ولكن ذلك لا يمنع السلطة من العمل على تنفيذ بعض السياسات، مثل تعديل النظام الانتخابي، التي يبدو ظاهريا بأن هدفها الإصلاح السياسي ولكن باطنها ليس سوى تكتيكات حكومية تستهدف التحكم في مخرجات العملية الانتخابية وضمان عدم وصول الأغلبية بنفس العدد إلى المجلس مرة أخرى، وقد كان رقم قد يصعب تكراره، لأنه أعطى المجلس صلاحياته الفعلية، وجعله المتحكم في أمور اللعبة السياسية، وهذا لا شك أمر أزعج البعض، فجاءت فكرة العبث بالنظام الانتخابي لضمان عدم قدرة الأطراف التي تبنت خطا معارضا للحكومة من الحصول على الأغلبية في المجلس القادم. ولكن الواقع والمنطق ومسيرة التاريخ البشري وتجارب الشعوب الأخرى كلها تؤكد بأن كل ماتقوم به السلطة وما ستقوم به مستقبلا ليس سوى محاولاتٍ لتعطيل الوصول إلى النتيجة الحتمية والقدرية، وهي الديمقراطية الحقيقية، والتي سوف تتحقق يوما ما.
تنويه: تلقيت اتصالا من الأخ العزيز الدكتور بدر الديحاني نبهني فيه إلى خطأ وقعت فيه في مقرر حكومة وسياسة الكويت الذي قمت بتدريسه في أحد الفصول الدراسية السابقة، فقد كتبت في مذكرة خاصة للطلبة حول التنظيمات السياسية في الكويت بأن د. بدر الديحاني كان من الأعضاء المؤسسين للتجمع الوطني الديمقراطي الذي مهد لتأسيس التحالف الوطني بعد ذلك، والحقيقة بأن د.بدر لم يكن عضوا مؤسسا ولم ينضم أصلا إلى التجمع الوطني. لذلك فقد اقتضت الأمانة العلمية التنويه والاعتذار عن هذا الخطأ غير المقصود.
أضف تعليق