أقلامهم

وليد الرجيب: الرقابة والمنع لا يمكنها الانتصار على التطور التكنولوجي حتى في أعتى الدول الديكتاتورية.

أصبوحة / العودة من العصر الحديث 
وليد الرجيب 
استدعت النيابة العامة قبل أيام الصديق والزميل والكاتب الصحافي المرموق الأستاذ عبدالهادي الجميل، الذي يكتب في جريدة عالم اليوم وهو من أصحاب الأقلام الرشيقة ذات النفس الأدبي والتي يعلن فيها موقفاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وطنياً تقدمياً واضحاً.
 والاستدعاء جاء على خلفية مقاله «ما عادت سهود ومهود» التي انتقد فيها أوضاعنا في الخليج وضرورة انتباه المسؤولين لمتغيرات العصر والحفاظ على الثروة النفطية واستثمارها بعقلانية.
 وبالطبع جاء تحويل المقال والكاتب من قبل رقابة وزارة الإعلام، التي رأت في المقال إساءة إلى دول خليجية شقيقة، رغم أن الأستاذ عبدالهادي معروف بتهذيبه ودماثة خلقه، ولم نقرأ له يوماً مفردة نابية أو شاذة، بحيث استطاع خلال سنوات قليلة خلق قاعدة واسعة من القراء المتابعين والمعجبين بكتاباته وذلك لطرحه الرصين والهادئ.
 وبالطبع فإن الرقيب لا يقصد ممارسة الشر أو لعب دور مشبوه، بل انه يطبق الاجتهاد ضمن القانون، وهذا يعني أنه لو كان الرقيب شخصا آخر لربما قرأ المقال بعين أخرى واجتهاد يختلف، فإذاً المشكلة هي مشكلة تأويل، إضافة إلى أن اتباع سياسة المنع هو من باب سد الذرائع، مع أن الأصل في الدستور والقانون هو السماح بينما المنع استثناء، وهذا ما حدث معي عندما منعت الرقابة روايتي «بدرية» التي صدرت عام 1989 ثم سمح بتداولها بعد خمس سنوات، ثم منعت روايتي «الحب لا يفنى ولا يستحدث من عدم» عام 2011م، بسبب الفهم الخاطئ والتأويل غير المستند على أساس اختصاصي منطقي أو علمي، فإن كان النقاد أنفسهم يختلفون في تفسير العمل الأدبي فما بالك بالرقيب غير المتخصص الذي يعتمد على فهمه وظنه.
 وقد كان لمنع روايتيَ سبب مباشر في انتشارهما وشهرتهما، كما كان لمنع مقال الأستاذ عبد الهادي سبب مباشر في انتشاره وتداوله بين أوساط واسعة من القراء المهتمين وغير المهتمين.
 فإن كانت السلطات في الكويت تسعى لبناء دولة حديثة، يجب أن تحترم حرية الرأي والإبداع والاطلاع وخاصة أن الدستور الكويتي قد نص عليها على اعتبار أنها من الحقوق الأساسية.
 كما أن الرقابة والمنع لا يمكنها الانتصار على التطور التكنولوجي حتى في أعتى الدول الديكتاتورية، وهذا ما لاحظناه ونلاحظه في الثورات العربية وقبلها الانتفاضات الإيرانية بعيد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فكل شيء يصلنا فوراً وبنفس اللحظة بالصوت والصورة، وقد ذكرت في مقال سابق لي بعنوان «الكتاب الالكتروني» أن دار الفارابي تعاقدت معي لنشر أعمالي الكترونياً، وهذا يعني أن أي إنسان يستطيع تحميل أي كتاب على أجهزته دون المرور بالرقابة.
 أما إذا كان استدعاء الأستاذ عبد الهادي للنيابة هو عودة لسياسة الملاحقة السياسية لكتاب الرأي فهو تراجع خطير عن النهج الديموقراطي وعن الدستور الذي وضعه الآباء منذ نصف قرن، فالكويتيون الذين كانوا يتنفسون الحرية منذ عقود طويلة ولا يمكن سلبهم هذه الحرية كمكتسب أساسي ببساطة.
 فهل لم تعد المسألة «سهود ومهود» كما كانت بالنسبة للشعب الكويتي؟ وهل عدنا من العصر الحديث إلى عصر أقدم؟