صدى الكلمة / مفهوم الدولة
د. يعقوب أحمد الشراح
يجرى الحديث حول مفهوم الدولة وماهيتها وما إذا كنا دولة مؤسسات كاملة الدسم أم أننا نعاني إشكالية عدم النضج المؤسسي بعد مرور أكثر من (50) عاماً منذ الاستقلال ووضع الدستور. إن المشاهدات والأحداث والوقائع السياسية التي تعيشها الدولة تظهر لنا أننا لسنا بالكامل دولة مؤسسات باعتبار أن دولة المؤسسات لا تعمل إلا وفق الدستور، وعلى أساس استدامة المفهوم المؤسسي، وصلابة أركانها بينما الأفراد الذين يمارسون سلطة المؤسسة وباسمها وفي نطاق الدستور متغيرون وزائلون… أي أن المؤسسات باقية ولا تتأثر بزوال الأشخاص أو تدخلاتهم أو انتقالهم من مكان لآخر.
دولة المؤسسات ترتبط مباشرة بالنظام السياسي الديموقراطي وبالقانون من حيث العمل به واحترامه، لكننا مع الأسف، نكثر الحديث عن الديموقراطية وتمثلنا بها بينما لا نمارسها بشكلها الحقيقي، فالكثير من سلوكياتنا يعكس تجاوزات على القانون، وتطاولا على الآخرين، وصراعا ملحوظا بين القوى السياسية والمدنية والدينية، وتفككا للنسيج الاجتماعي إلى أطياف متناحرة تطغى عليها سمات المذهبية والقبلية، وتكاثر المواجهات والفساد المستشري، والتعدي على الحقوق وسلطة الحكم.
إن دولة المؤسسات بركائزها الدستورية تضع المصالح العليا للبلاد فوق كل شيء، وهي التي لها الأولوية المطلقة، خصوصاً في مجالات التنمية والدفاع والأمن والاستقرار، ومن يتعد على هذه التوجهات فإن القانون بالمرصاد، وسلطة القضاء هي الجهة الوحيدة التي تصدر حكمها. فلا مكان في دولة المؤسسات لنفوذ الأفراد وتسلطهم، وإنما العدالة والمساواة بين الناس هي الركن المهم من أركان دولة المؤسسات.
وتتساءل مع المتسائلين حول مدى علاقة هذه العناصر بمفهوم دولة المؤسسات في مجتمعنا الذي يعاني شتى صنوف التعديات على القانون والفوضى والفساد؟ ففي كل يوم نشاهد الكثير من الظواهر السيئة التي تعكس اختراقات سافرة لمفهوم دولة المؤسسات كعدم احترام للقانون وسلطة الدولة، والتناحر الطائفي المدمر، والتعدي على الدستور، وهدر في الأموال العامة، وتخلف تنموي يضيف المزيد من المعاناة للناس، وشباب يعاني البطالة والضياع، وأشياء أخرى وأخرى.. لكن أكثر العوامل تأثيراً في منظومة دولة المؤسسات تلك الاختلالات الملحوظة في المواطنة وضعف الولاء للوطن!! فلقد تنامى في السنوات الأخيرة الولاء للقبيلة والطائفة أكثر من الولاء للوطن لدرجة سهولة انتزاع البعض سلطة الدولة وإحلالها بسلطة الفرد أو القبيلة أو الطائفة ما عكس ظاهرة ضعف «هيبة الدولة» التي تشكل ركناً حيوياً لمفهوم الدولة المعاصرة. ففي مفهوم الدولة لا سلطان لأحد على احد لأن الناس سواسية أمام القانون، ولهم حقوق مثلما عليهم واجبات.
نتمنى أن نتخلص من حالة الفوضى المؤسسي بتطبيق القانون والعمل بالدستور، وتشديد العقوبات على من يعتقد انه الدولة ويريد أن يتصرف وفق ما يراه مناسباً لمصالحه الخاصة. إن احترامنا للعمل المؤسسي هو الذي يعزز مكانتنا بين الأمم ويساهم في التطوير، واستقرار المجتمع.
أضف تعليق