ضحك كالبكا
على وضح النقا!!
كتب عبدالهادي الجميل
اشتهرت الحرب العالمية الأولى باسم حرب الخنادق، وذلك لكثرة احتماء الجنود بالخنادق بسبب شراسة القتال، ما أدّى إلى تباطؤ وتيرة الحرب وبرود الجبهات الساخنة واسترخاء الجنود، رغم أن المسافة بين الخنادق المتحاربة لم تكن تتجاوز بضعة أمتار، إلى درجة أن الأعداء كانوا يتبادلون قناني النبيذ وعلب السجائر وقصائد كافكا وحقن المورفين!
ميزة معارك الخنادق تكمن في أنك تعرف مكان الجبهة ومن أين ستأتيك الطلقة أو القذيفة، فتأخذ حذرك، بعكس ما حدث في “الأبراج” مساء الأحد الماضي حيث كنّا «ننطق من كل الجهات وبنهم وشراسة!»
صار لنا اسبوع كامل، نقول بالتويتر والفيسبوك والجرايد ان عندنا مظاهرة “على وضح النقا” تنطلق الساعة 8.30 يوم الأحد، فليش تبدأ القوات الخاصة الطق الساعة 6؟!!
ليش الاستعجال وحنّا أصلا ما تعنّينا وجينا المظاهرة إلّا عشان ننطق، فبفضل حكومتنا الرشيدة، أصبحنا شعبا مازوخيا، اذا ما ناخذ جرعة طق اسبوعيّة مانعرف نرقد بالويكند! لهذا السبب يُعتبر الشعب الكويتي الشعب الوحيد في تاريخ البشريّة اللي ينطق وهو يردد النشيد الوطني؟!! وينطق وهو يهلل ويكبّر!! وينطق وهو يحمل أعلام الدولة!!
وين التنظيم يا وزارة الداخلية؟ لا خطط ولا تكتيك، ولا حتى إلمام ولو محدود بالاتجاهات الحديثة في أساليب طق الناس!
بتطقون الناس طقّوهم ولكن لا تشعروهم خلال الطق بالتفرقة وازدواج المعايير. مثال على ذلك…كنت جالسا بالخطوط الخلفيّة ألتقط أنفاسي، فمرّت علي مظاهرة صغيرة ونظيفة وتلمع، تو هي واصلة، وكان الشباب يغنّون “ نحمد الله جت على ما نتمنّى”، فقلت لهم: رايحين عرس يا الربع؟! قالوا: لا، بس احنا أوّل مرة نتظاهر بحياتنا وما نعرف إلّا هالشيلة! قلت لهم: لا تثريب عليكم، ردّدوا : سوف نبقى هنا…. كي يزول الألم…. سوف نحيا هنا…سوف يحلو النغم…. موطني موطني. وأشرت لهم باتجاه مكان الطق المتلاحم.
فوحّدوا صفوفهم وغنّوا بحماس، وساروا كفرقة مشاة اسكتلنديّة أنيقة، ولم تمض 5 دقائق إلّا وهم عائدون يسندون بعضهم بعضا وقد تمزّقت ثيابهم وآثار الدماء والإصابات على وجوههم، فقلت: أفا أفا، اشفيكم، عسى ما شر؟؟ قال الوحيد فيهم الذي لم يفقد حاسة النطق: هجموا علينا فجأة وطقّونا وحنّا نردد أغنيتك، لا بارك الله فيك ولا في اغنيتك، لا يكون ملغّمها؟
قلت: لا يا بن الحلال، الأغنية مافيها شيء. هذي الشيخة سعاد الصباح من 25 سنة وهي تردد: نحن باقون هنا… نحن باقون هنا. وعطوها جائزة الدولة. بس البلا فيهم هم. خذ المصابين من ربعك وروح للفريق الطبي الميداني، ليعالجوكم.
نهضتُ وأمسكت يد إبني وقلت: عسى كسبت خبرة من اللي شفته اليوم؟ قال: إي نعم. قلت: برافو، مشينا البيت. قال: أبتاه، دعني .
فقلت له: كفووو، لكن مهو بالليلة، لا تستعجل ويا مالك من الطق انشالله، أنا ذاخرك للأزمات المقبلات، وبنشوف فعلك في أزمة صندوق الاجيال القادمة. مشينا وانا ابوك.
أضف تعليق